بات من الطبيعي أن تعيش الصحف الورقية واقع الأزمة التي تهدد توزيعها وانتشارها وحتى قراءتها وتتبع الأخبار التي تنشرها، يرجع ذلك إلى أن المتلقي أصبح بينه وبين الخبر لحظات لا تتعدى ضغطة زر على جهازه الخلوي النقال أو عبر الحاسوب الشخصي، ومواقع التواصل الاجتماعي والشاشات الفضائية المتسارعة في نقل الحدث. الإعلام الحديث أصبح في واقعه المتطور والمتجدد هو المتسيد للساحة الإعلامية في الوقت الراهن، حيث سحب بمجمله بساط القارئ من الصحف الورقية، حتى أن تقارير الصحف العالمية تؤكد على أنها تعيش مرحلة الاحتضار. رؤساء التحرير الذين يعتبرون على رأس الهرم في الصحف المحلية، وضعوا ل«عكاظ» روشتة العلاج والخطط البديلة للتصدي للأزمة. حيث أكدوا هذا التأثير واعتبروه أمرا طبيعيا، في ظل الاتساع الكبير في عالم التقنية الحديثة، وأشاروا إلى أن توزيع الصحف الورقية تراجع كثيرا عن السابق، وألمحوا إلى أن آلية التوزيع للصحف اختلفت عن السابق واعتمدت على الاشتراكات أكثر من بيع نقاط التوزيع، وأن تأثير نسبة الإعلانات سيبقى رهن إشارة السوق والكساد الاقتصادي. رئيس تحرير صحيفة الجزيرة خالد المالك، أكد أنه من الطبيعي تأثر الصحف الورقية، وتراجع توزيعها في ظل تعدد وسائل التواصل، ووجود القنوات الفضائية، والصحف الإلكترونية، والمواقع الأخرى، وكل ما أحدثته ثورة الاتصالات من تمكين الجمهور للوصول للمعلومة عبر عدة خيارات وبطريقة أسرع بكثير من الصحف الورقية، بالإضافة أن موقع أي صحيفة يساعد أيضا بهذا التأثير، حيث يمكن للقارئ أن يتصفح الجريدة من خلال جهازه المحمول ودون حاجة لانتظار صدورها ورقيا. وقال المالك ل «عكاظ»: «المسؤولون في الصحف يدركون ذلك ويعرفون أن المنافسة لم تعد بين الورقية ذاتها بل دخل للسوق منافسون جدد أسرع بنقل الخبر، وأقدر على نقله بالصوت والصورة ومن موقع الحدث، وبنظري وكما هو مشاهد أن المشكلة ليست انخفاض التوزيع وإنما هناك تأثير على حجم الإعلان بالصحف، حيث الملاحظ أن الميزانية لإعلانات الصحف انخفضت بنسبة عالية سنة بعد أخرى وتأثرت بعض برامج وخطط الصحف للتطوير وتوسعها للعمل». وعن الحلول يقول المالك: «لكي تتفادى بنظري المؤسسات الصحفية هذه الإشكالية أو المنافسة التي ربما تضر بهذه البرامج والخطط التطويرية التي تنوي كل مؤسسة أن تقوم بها، يجب أن تتوسع في منتجاتها الإلكترونية لتكون في جاهزية عندما يكون وضع المؤسسات الصحيفة وما يصدر عنها متأثرا مما هو أكثر عليه الآن، والجانب الثاني أن تطور الصحف المستوى التحريري ورقيا حتى لا يجد القارئ أنه في غنى عنه». وزاد: «الصحف الإلكترونية لم تصل للمستوى الذي يؤهلها حاليا لمنافسة الورقية، لكنها مهيأة والظروف تخدمها لتكون مستقبلا في وضع أفضل مما هي عليه الآن عندما تخدم بشكل أفضل ولها جهاز تحرير، ولا تكون مجرد مواقع إلكترونية كما هو اليوم، وهذا يعني أن التحديات القادمة للصحف الورقية كبيرة ولابد من دراسة هذا الوضع القادم بين المسؤولين في المؤسسات الصحفية للتوصل لقناعات مشتركة وبرمجة بعض الخطط لتساعد الصحف على تجاوز الأزمات القادمة». ونوه المالك، بأن الصحف الصغيرة ذات الدخل المحدود والانتشار المحدود والجهاز التحريري قليل العدد والإيراد والمصروف المتدني، تكون أقل تأثرا من الوضع الحالي والمستقبلي، ومن سيتأثر هي الصحف الكبيرة وذات الدخل العالي والجهاز الكبير والانتشار الواسع لأن حجم الإعلان سيقل. ويرى رئيس تحرير صحيفة المدينة الدكتور فهد آل عقران، أن إيصال الصحيفة في الوقت الراهن للمتلقي بات مختلفا، واعتمد على أعداد الاشتراكات المباشرة لتعويض النقص في نقاط التوزيع، ويعود سبب الهبوط في البيع إلى المواقع الإلكترونية والتواصل الاجتماعي. ويضيف آل عقران ل «عكاظ»: «الإعلان بصفة عامة وحجم الإنفاق الإعلاني بالمملكة تأثر، خصوصا الربع الأخير من عام 2015، وأعتقد سيستمر الانخفاض بالربع الأول 2016، وفي اعتقادي أن أكثر الشركات المعلنة بالبلد معتمدة على الإنفاق الحكومي الذي يشهد تراجعا مما انعكس ذلك على الشركات بالصرف على الإعلانات التجارية». وزاد، بأن تراجع المؤسسات المعلنة لتخوفها من الكساد الاقتصادي الذي يحدث في العالم. التونسي لرؤساء التحرير: «بلاش ضحك على اللحى» أكد رئيس تحرير صحيفة الرؤية الإماراتية محمد التونسي أنه يجب على الصحف الورقية أن تتحلى بالشجاعة، فإما أن تغير من أسلوبها الصحفي تماما، أو تغلق. موجها في الوقت ذاته رسالة لرؤساء التحرير، «هناك رؤساء تحرير أصبحوا يتعذرون أمام مؤسساتهم بانحسار صحافة الورق وبأنهم لا يحققون أرقاما توزيعية عالية، أقول لهم: (بلاش ضحك على اللحى) اشتغلوا صح توزعوا ورقي صح». وأشار التونسي إلى أن هناك واقعا يتعلق باقتصاديات المؤسسات والشركات الناشرة لابد أن يتم التعامل معه، والإعداد جيدا لما سيأتي. وقال ل «عكاظ»: «يجب على الصحف أن تأتي إلى القارئ، وليس العكس، فهو لديه خيارات كثيرة جدا، وأرجو أن لا يفهم أنني ضد الورقية، فمعظم تجربتي في الصحافة الورقية». وأشار إلى أن الصحف الورقية لم تعد سلعة معرفية تنتظر كل يوم، فالمفاهيم يجب أن تتغير من خلال أسلوب الطرح الصحفي وتحضير القارئ بمختلف أطيافه وخلفياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وأشار إلى أن مشكلة البعض أنه يعتقد أن الصحف الورقية إذا أرادت أن تبقى لابد لها أن تهتم بالرأي، وهذا خطأ، فهي مطالبة قبل غيرها أن تتفرد بالخبر، فلا مجال أن تبقى وتستمر دون أن تتبع منهج الصحافة الاستقصائية، ولكن تطبق بأساليب حديثة، تهتم باللغة في المقام الأول والتي لا بد لها أن تتغير، كما أن القارئ لم يعد يحتمل المطولات، على الشاشة فكيف على الورق، فعلى الصحافة أن تعتمد أسلوب النفس القصير والسريع. وتحدث التونسي عن استفتاء أجرته صحيفته استهدف قارئ الإمارات، فخرجت النتيجة بأن أكثر من 80% لايستقون أخبارهم من الورقية، وغالبيتهم لم يعرفوا متى آخر مرة قرأوا فيها صحيفة ورقية. العصيمي: تطوير «الورقي» والعمل على الإعلام الجديد أكد رئيس تحرير صحيفة الرياض المكلف سليمان العصيمي، أن هناك انخفاضا بالأعداد المطبوعة لكن ليس بالشكل المخيف كما يدعي البعض أن الصحف الورقية في زوال، وهذا لا يدعو للتشاؤم -على حد تعبيره. وأبان العصيمي، أن صحيفة الرياض لم تتأثر كثيرا، مؤكدا أنه ما زالت إعلاناتها بالمركز الأول والاشتراكات ليست مثل السابق لكنها لم تنقطع، ويعود ذلك لمواقع التواصل الإلكترونية، وحينها يمكن لأي شخص في العالم أن يطلع عليها بمجرد نزولها إلكترونيا. ونوه العصيمي، بأن القراء من سن 35 إلى 60 سنة يحرصون على قراءة الصحيفة ورقيا مهما كانت الحالة، ولا يستغنون عنها، فيما أن الجيل الحالي لا يحرصون عليها كورقية ولكن التواصل معها إلكترونيا. وأكد العصيمي، أنه من الآن يجب العمل على الجهتين، تطوير الورقية، والتواصل مع القراء عبر مواقع التقنية الحديثة المتاحة، ويجب أن يعطى الجانب الإلكتروني أهمية بحيث يواكب العصر.