جاء احتفاء الدورة ال47 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب المنعقدة حاليا بالراحل جمال الغيطاني «شخصية العام»، تقديرا لتجربة إبداعية متميزة اتخذت من التراث الإسلامي والعربي منهجا ورؤية خاصة للإبداع، فعلاقته بهذا التراث خلقت لديه صلة بالأزمنة والأمكنة العميقة مما جعل روايته تحتوي على الكثير من المعارف الإنسانية، وذلك بدءا من روايته «الزيني بركات» التي مثلت نقلة في الإبداع الأدبي ميزته عن إبداع جيل الكبار مثل نجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف إدريس. وفي أولى ندوات الاحتفاء بالغيطاني التي ناقشت «مشروع الغيطاني الروائي» قال الناقد الأدبي محمد بدوي إن رواية «الزيني بركات» للغيطاني، أحدثت نقلة نوعية في كتاباته، وكانت أساسا للمفاهيم التي اعتمد عليها في تجربته الروائية لاحقا، مؤكدا أنها استطاعت أن تجمع بين مجموعة عناصر جعلت «الغيطاني»، متميزا عن أقرانه من كتاب الستينيات، كما جعلته متميزا في الكتابة السردية المصرية عن آبائه الروائيين. وأضاف: «شخصية الزيني بركات التي جاءت من العصر المملوكي تحولت لدى الغيطاني إلى شخصية تستطيع أن تلقي بأضوائها على واقع معيشي ثقيل». ووصف الناقد الدكتور حسين حمودة مشروع «الغيطاني» بالتنوع والتفرد، حيث نستمتع بلغة مشبعة بالمعرفة في كتاباته التي تراوحت بين أزمنة وأماكن شتى، ومن هذه المعالم نبرة الشجن الخفية التي تخللت نصوصه. وأكد حمودة أن صلة الغيطاني العميقة بالمكان ميزته، واهتمامه بالأزمنة والأماكن، مثل منطقة الجمالية التي ستظل منبره للتعبير ونقطة البدء والوصول، منها ينطلق عالم جمال الغيطاني. وربط القاص سعيد الكفراوي، مشروع الغيطاني وتجربته الأدبية بمعطيات حياته الشخصية، فالغيطاني عاش طفولته في مناخ قاس ثم انتقل مع والدته إلى الجمالية، ودرس وتعلم النسيج والنقش والسجاد ثم تعرف على طريق الثقافة حتى اعتقل عام 1966، وكان ضمن جيل كان له موقف ضد سلطة القمع. وأضاف أن تأمل إنتاج جمال الغيطاني الفكري والثقافي والفكري يؤكد أنه من أصحاب الإرادات وممن يمتلكون القدرة على الفعل والعمل وعلى أن يبعد نفسه عن المقاهي التي يجلس عليها المثقفون. وتابع: «قرأت أعماله التي تتجاوز ال60 عملا، ورافقته عبر سنوات واقتربت قليلا من تجربته الروائية التي أبدعها في 17 رواية و12 مجموعة قصصية وغيرها من الكتب الفكرية، وكنا نأتي إلى القاهرة لنرى المسرح وقابلته في 69 في العتبة وكان نشر مجموعة الأولى له والتي تحمل اسم (أوراق شاب عاش منذ ألف عام)». وقال: «سألته أين يجلس الكتاب الشباب؟، أجاب: في مقهي ريش مع نجيب محفوظ، وهو المقهى الذي رأيت فيه إبراهيم الأسواني، أمل دنقل، كل هذا الجيل الذي كان يحيط بمحفوظ في تلك الفترة، ومنذ ذلك لم تنقطع علاقتي به، وتعرفت على عالمه الروائي الذي يتلخص في ظواهر كونت وعي الكاتب وقارئه وكانت تجربته وعلاقته بالكتابة ثرية إلى حد يثير الدهشة، فهو أول أبناء جيله الذي انتبه لما في التراث من غنى وآمن أنه ما دام لدينا هذا التراث فعلينا ألا نعتمد على تراثات أخرى، وأمضى حياته يتخذ من تراثه العربي الإسلامي منهجا ورؤية.