منذ أن أصدر جمال الغيطاني كتابه الأول «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» في 1969، لم يتوقف عن الكتابة والتخطيط لمشاريع كتابة، كأنه كان يسابق الزمن، أو يقاوم - وفق تعبيره - المحوَ والنسيان، بل الموت. تضمَّن كتابُه الأول خمس قصص، ونال تقدير نقاد بارزين آنذاك، مثل لويس عوض وعلي الراعي ولطيفة الزيات، ما شجَّعه على مواصلة مسيرته الأدبية التي تتضمن أكثر من 50 كتاباً، إلى جانب عمله الصحافي الذي استهله مراسلاً عسكرياً خلال حرب الاستنزاف، وتوّجه بتأسيس أسبوعية «أخبار الأدب» في العام 1993. وفي لفتة نادرة، نعى الجيش المصري الغيطاني ببيان في موقعه الرسمي على «فايسبوك»، أكد فيه أنه تلقى نبأ رحيله ببالغ الحزن والأسى، وتقدم لأسرته بخالص العزاء. كما نعاه المجلس الأعلى المصري للثقافة في بيان لفت فيه إلى دوره في إثراء المكتبة العربية بإنتاجه الأدبي الغزير. واعتبر الاتحاد العام للأدباء والكُتَّاب العرب غياب الغيطاني «خسارة فادحة للمشهد الأدبي المصري والعربي». (راجع ص 13) أما اتحاد كتاب مصر فرأى أن الرواية العربية، برحيل الغيطاني، «خسرت صوتاً متفرداً في تاريخها الحديث». ويُعدّ الغيطاني من أبرز المثقفين المصريين الذين ناصروا ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 التي أنهت حكم جماعة «الإخوان المسلمين». والثابت أن أول قصة كتبها الغيطاني، الذي غيَّبه الموت صباح أمس عن عمر يناهز 70 سنة، بعد أزمة صحية تعرض لها قبل نحو شهر أفقدته وعيه وأوقعته في حال من الغيبوبة، كانت تحت عنوان «نهاية السكير». كان ذلك في العام 1959، وهو نشر أولى قصصه في العام 1963. والغيطاني هو من أقرب أبناء جيله إلى نجيب محفوظ الذي ربطته به صداقة امتدت سنوات طويلة حتى رحيل صاحب «أولاد حارتنا» في العام 2006. وكان الغيطاني، المولود في قرية جهينة (صعيد مصر) في أيار (مايو) 1945، من أكثر أبناء جيله ترجمةً إلى لغات أوروبية. وتعد رواية «الزيني بركات» أشهر أعماله، وهي تصور فساد الدولة البوليسية وقهرها. وهو التقط شخصيتها الرئيسة «بركات بن موسى»، من بضعة أسطر وردت في كتاب ابن اياس «بدائع الزهور في وقائع الدهور» الذي يؤرّخ لمصر القرن السابع عشر الميلادي. وإذا كان الغيطاني كتب مجموعته القصصية الأولى متأثراً بأجواء هزيمة 1967، فإنه كتب «الزيني بركات» تحت وطأة تجربة اعتقاله بضعة أشهر بين عامي 1966 و1967 بتهمة «اعتناق الشيوعية». وبعد الغوص في التراث عبر أعمال أدبية، كتب الغيطاني رواية «التجليات»، متوغّلاً في ذاته، على حد تعبيره. عموماً، جاءت لغة الغيطاني من كتب الصوفية والمتصوفة وتجاربهم الروحية العميقة، وكان يرى أن نجيب محفوظ رسّخ الرواية العربية على أسس الرواية الغربية، «لكنني عدتُ بها إلى البناء الأقدم في اللغة والشكل»، يقول. نزح الغيطاني مع أسرته إلى القاهرة حيث تلقى تعليمه حتى تخرج في مدرسة الفنون والصنائع. وفي العام 1963 عمل رساماً في المؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاجي، ثم سكرتيراً للجمعية التعاونية المصرية لصُنَّاع خان الخليلي وفنانيه. وفي عام 1969، بدأ عمله مراسلاً حربياً لمؤسسة «أخبار اليوم». ومن الأمور التي شابها غموض في مسيرته الأدبية التي توّجت بجائزة «النيل»، وهي أرفع جائزة أدبية في مصر، اتهامه بأنه الكاتب الحقيقي لرواية «زبيبة والملك» المنسوبة إلى الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وهو الأمر الذي أصرَّ على نفيه. لكنّ الثابت هو أنه أصدر من بغداد في 1975 كتاباً عن الجيش العراقي تحت عنوان «حراس البوابة الشرقية»، وكتب لاحقاً مقالات تنتقد التدخل الأميركي في العراق.