لاتزال قضية الشاب خالد الدوسري المحكوم عليه بالمؤبد في الولاياتالمتحدة لإدانته في نوفمبر 2013 بمحاولة حيازة أسلحة دمار شامل، جرحا غائرا لم يندمل، ولن يطوى قيدها بعد، حتى وإن قال القضاء الأمريكي كلمته، ورفض الاستئناف الفيدرالي لثلاثة التماسات تقدم بها محامو الدفاع، وتثبيت الحكم عليه، ولكن ستظل هذه القضية قائمة لأسباب جوهرية، ليس طعنا في القضاء والعدالة الأمريكية، لكن لأنها صنفت بأنها قضية إرهاب من طرف أجنبي، فبالتالي خضعت لقانون «يوس أي باتريوت أكت» الذي أقره الرئيس بوش بعد أحداث سبتمبر، وأثار جدلا واسعا لسماحه بصلاحيات واستثناءات عجيبة تخالف الأنظمة والإجراءات القضائية والتشريعية المتبعة في الولاياتالمتحدة، وتخسف بحقوق المتهم وقد يصل الأمر إلى محاكمته صوريا. ولمن لم يتابع حيثيات هذه القضية خلال الأربع سنوات الماضية، فالسجين خالد الدوسري، كان شابا منفتح التفكير ومتفوقا في دراسته، حيث تخرج من الثانوية العامة بمعدل يفوق 99% مما أهله للانضمام إلى شركة سابك التي ابتعثته في العام 2008 لدراسة الهندسة الكيميائية بجامعة ولاية تكساس الأمريكية، ثم اعتقل قبل أكثر من أربع سنوات، بعد أن طلب كميات من مادة الفينول المركز من مدينة برلنغتون في ولاية نورث كارولينا عبر شركة شحن لنقلها إليه لأغراض متعلقة بمجال دراسته، ولكن الجهة الموردة اشتبهت في الأمر، خاصة أن هذه المادة الكيميائية قد تستخدم في صناعة المتفجرات، فقامت بإبلاغ الجهات الأمنية التي تتبعته حتى القبض عليه في 28 فبراير 2011، وكان عمره حينها لا يتجاوز 20 عاما، ولم يكن لديه أي علاقة أو اتصال بتنظيمات متطرفة. والطرق التي جمعت فيها المعلومات والأدلة أو شبه الأدلة التي أدين بسببها، أثارت الكثير من الأسئلة حول هذه القضية، والتي أديرت بشكل مغاير عن سير مثل هذا النوع من القضايا، سواء على صعيد نظامية جمع الأدلة أو الحقوق التي يحظى به المدعى عليه، لأنها اعتبرت قضية إرهاب من طرف أجنبي، وتم التعامل معها وفقا لقانون «Patriot Act» لمكافحة الإرهاب، ولذلك طالب محامي الدوسري السابق برفع حظر الكشف على الأدلة التي جمعتها السلطات لإدانة موكله والسماح لفريق الدفاع بالاطلاع على المعلومات السرية التي جمعتها السلطات أو ينبغي أن لا تستخدم هذه الأدلة التي لم يفصح عن طريقة جمعها ضد الدوسري، كما أن المحامي منع حينها من التصريح للإعلام. وهذا القانون (باتريوت أكت) سمح بصلاحيات استثنائية لوكالات الاستخبارات في الولاياتالمتحدة، «FBI» و«CIA»، من خلال تسهيل إجراءات التحقيقات والوسائل اللازمة لمكافحة الإرهاب، مثل إعطاء أجهزة الشرطة صلاحيات من شأنها الاطلاع على المقتنيات الشخصية للأفراد، وبموجبه رفعت العوائق القانونية حول مراقبة المحادثات الهاتفية، والرسائل الإلكترونية والمعاملات البنكية، وتفتيش المنازل في غياب أصحابها، وهي إجراءات تخالف الدستور الأمريكي، وربما كان تطبيق بعض هذه الإجراءات سببا في انسحاب القاضي «سام كامنجز» عن النظر في القضية في جلساتها الأولى، ولكنه لم يكشف عن الأسباب، فيما أصدرت محكمة أماريلو بولاية تكساس حكمها بالمؤبد على خالد الدوسري في نوفمبر 2013. الجديد في هذه القضية، أن السجين خالد الدوسري انقطع عن الاتصال بأسرته بشكل مفاجئ منذ أكثر من عام دون معرفة الأسباب أو معرفة أي شيء عنه وما يجري له، ورفضت إدارة سجن ماريون بولاية إلينوي الذي انتقل إليه العام الماضي بحسب الأنظمة الفيدرالية التي تنص أنظمتها على نقل السجناء المحكومين في قضايا الأحكام المؤبدة بين السجون الفيدرالية سنويا، اتصال أسرته به ومنعت زيارته بحجة أنه هو من يرفض ذلك، ولكن دون أي دليل مادي يثبت ويؤكد صحة مزاعم إدارة السجن، ولكنه نجح في تمرير شكوى موثقة إلى إدارة السجون الأمريكية في العاصمة واشنطن، حصلت «عكاظ» على نسخة منها ونشرتها بتاريخ 19 يناير الجاري، ويوضح فيها بأنه تعرض لاعتداءات جسدية من قبل إدارة السجون خلال نقله من سجنه السابق في ولاية إنديانا، وطالب باستعادة حقوقه المسلوبة وبعض مقتنياته الخاصة، من بينها بيانات بحثه الهندسي وأشرطة الفيديو التعليمية عن الكيمياء، وطالب أيضا بترحيله إلى وطنه، وهذه المطالب وما يحدث له تعطي بعض الدلالات على أنه يتعرض لانتهاكات وأن لديه وثائق يريد استرجاعها لإثبات براءته. لقد تعايشت مع أحداث هذه القضية منذ بداياتها، وأدرك أنها مرت بملابسات أثرت على مسارها بشكل أو بآخر، وأكاد أجزم أنه تم الكيل بمكيالين في قضيته نتيجة للقوانين التي أقرتها الولاياتالمتحدة في عهد الرئيس السابق جورج بوش بعد أحداث سبتمبر مثل قانون مكافحة الإرهاب «باتريوت أكت» الذي أقر في 2001 وقانون «ميليتاري كوميشن أكت» الذي أقر عام 2006، والتي سمحت بتعذيب المتهمين بالإرهاب لانتزاع اعترافاتهم وبالمحاكمات العسكرية الجائرة، ولكن هذا لا يعني أن نقف صامتين، فهذه القوانين وقتية ومحل جدل في أروقة القضاء والسلطات العليا في الكونغرس، وطالما أن الدولة - رعاها الله - تدعم هذا الشاب وتقف إلى جانب أسرته، فيجب على العديد من الجهات الإعلامية والحقوقية دعم هذه القضية، وتشكيل أوراق ضغط حتى تتم إعادة محاكمته أو إعادته لأرض الوطن.