لك أن تتخيل جموعا من مئات الألوف من المصلين، في مسجد طهران الكبير بعد صلاة الجمعة، وهم يضربون صدورهم بقبضة أيديهم بقوة مرددين بصوت عال ذاك الشعار الذي لم يفارقهم إلا بعد وفاة الخميني: «الله أكبر.. خميني رهبر» يقودهم الحرس الثوري في الهتاف، كان ذلك في مطلع الثمانينيات الميلادية. انتهت الثورة الإيرانية «المفاجأة»، وتحولت إيران الملكية في زمن قياسي إلى الجمهورية الإيرانية الإسلامية.. وبما أن الشغب والشعارات يتزامنان مع الثورات الكلاسيكية، إلا أن شعارات الثورة الإيرانية خرجت بعد أن «تواست جاس على كراسيها»، وجاس مصطلح جديد من ابتكار زميلي الكاتب هاني الظاهري يختصر بذلك مسمى الجمهورية الإيرانية الإسلامية على غرار داعش. لقد كان الشغب الممنهج مثل القوت الذي يتقوت به ثوار لم يثوروا كما ينبغي لهم، فكانت المسيرات التي تبدأ بعد الانتهاء من الصلاة جزءا من الحياة الأسبوعية في طهران، فهي المتنفس والترفيه لمتطرفين تمنوا هذه اللحظة، بالإضافة لشعب سلب منه كل أشكال الترفيه ما بين ليلة وضحاها على وعد بالتغيير للأفضل! ذلك الصخب الذي يرافق الانتهاء من صلاة الجمعة، وترديد الجموع لشعار نصرهم بعد التكبير بأن الخميني هو الزعيم، والمسيرات الأسبوعية المؤيدة للثورة هي المشهد اللافت، وكأن صناعها يريدون أن تكون صورة عن الثورة الفرنسية التي تمت في القرن الثامن عشر مع الفارق في النتائج، لا يجمعهما إلاّ التحريض الشعبي الذي يجعل من الثورات متطرفة. دربت تلك المسيرات الأسبوعية المؤيدة للثورة شعبها على الصخب والعنف، كما منحهم التطرف وانتصار ثورتهم التي جاءت على طبق من ذهب جرأة على فعل العنف الذي يتم برعاية الثورة التي أصبحت دولة. لم تستطع إيران رغم مرور تلك العقود أن تخرج من عباءة ثورة أرادت تصديرها للدول المجاورة.. فكان موسم الحج هو المكان الملائم للمسيرات والهتافات. الإيرانيوان يعمدون دوما إلى تسييس الحج، لعلهم يصنعون ثورات جديدة من رحم ثورتهم التي سارت على نهج ثورة في أصلها معقدة، ولم تنجح إلا بعد أن نبذت التطرف. اليوم .. نتساءل ..هل سيكون موسم الحج القادم قضية سياسية أخرى بعد أن قطعت المملكة العربية السعودية علاقتها مع إيران وترحيبها بالحجاج الإيرانيين؟! إن حملات الحج الإيرانية منذ عام 1986 قضية تشغل القائمين على الموسم، حتى وأن تخلل تلك العقود سنوات هادئة، فهي أشبه بالهدوء المتحفز الذي ربما يفاجئ العالم ويجعل من الركن الخامس قضية سياسية، لا طقسا دينيا يجب أن يتم في أعلى مستويات من الأخوة والمحبة، حيث لا جدال ولا رفث. [email protected]