قبل أيام أكد مركز مراقبة الأمراض في أمريكا وهو المرجعية العالمية المعتبرة أن من أهم المشاكل التي استأثرت بجهوده خلال السنة الماضية وسوف تكون في قائمة أولوياته في السنة الجديدة مشكلة زيادة مقاومة الميكروبات والبكتيريا تحديدا للمضادات الحيوية على مستوى العالم وما تسببه من مضاعفات رغم استحداث المضادات الجديدة المطورة، وهي مشكلة مزمنة تتفاقم بسبب سوء استخدام المضادات من قبل الأطباء أو المرضى. في الدول الغربية هناك تقنين وضبط لاستخدام المضادات الحيوية بحيث لا يمكن الحصول عليها إلا بوصفة طبية، واستثناء ذلك في حكم النادر، وبالتالي تتمثل المشكلة في بعض الأطباء الذين يسرفون أو يخطئون في وصفها، وفي غيرها من الدول يبرز عامل آخر هو إمكانية الحصول عليها بسهولة دون وصفة ما يجعل المشكلة أكبر وأخطر، ولكن في عالمنا العربي الاستثنائي الذي تمثله سوق الدواء لدينا في المملكة بامتياز لا بد أن نضع بصمتنا الخاصة على المشكلة كي نتحدى بها كل جهود العلماء ونثبت لهم أننا مبدعون في التضامن مع المرض على حساب الصحة. خلال الأسبوع الماضي حدثني زميل متخصص في الأمراض المعدية، وهم أكثر الأطباء تعاملا مع المضادات الحيوية، أنهم أصبحوا يواجهون مشكلة جديدة عندما اكتشفوا أن مرضاهم لا يستجيبون للمضادات التي يصفونها لهم بحسب نوع العدوى والمضادات الموصى بها في المراجع الطبية. هم يعرفون أن سوق الطب لدينا فيه الكثير ممن لا يحسنون وصف المضادات الحيوية، ويعرفون أنه رغم تحذيرات وزارة الصحة للصيدليات بعدم صرفها إلا بوصفة إلا أنها تصرف بسهولة متناهية، لكنهم اكتشفوا سببا آخر هو أن بعض مصانع الأدوية في العالم العربي تنتج مضادات حيوية بنفس أسمائها المعروفة عالميا لكنها «مضروبة» في مكوناتها بحيث لا تستطيع مواجهة أوهن الميكروبات، وكل الذي تفعله مساعدتها على القوة والجبروت في جسم الإنسان. هذه المضادات الحيوية المغشوشة أجبرت الأطباء على التأكيد لمرضاهم بالحرص على استخدام المضاد الحيوي الذي تصنعه الشركة الأساسية، لكنهم اكتشفوا مشكلة أكثر تعقيدا وخطرا هي تعمد بعض الصيدليات وإصرارها على تخصيص تلك المضادات الواهية لمرضى التأمين الصحي في شكل من أشكال المؤامرات القذرة عليهم. هنا نحن أمام مشكلة خطيرة تجبرنا على التساؤل كيف تتدفق هذه المضادات في سوق الدواء لدينا، وأين الجهات المختصة كهيئة الغذاء والدواء، وكيف يمكن التضحية بالمرضى والمجتمع كله بسبب ما يمكن أن يكون تحالفا قذرا بين شركات الدواء وشركات التأمين؟