ذات زيارة لزوجها المنوم -وقتها- في مستشفى الملك فهد في جدة، كانت تلك المرأة مرافقته الوحيدة في ذات الغرفة التي يرقد فيها، ورفيقة عزلته المريرة في مرضه الذي لم يزره خلاله إلا قلة قليلة من أصدقائه القدامى! هي طبيبة في تخصص نادر حصلت عليه من لندن، وقد قبلت به شريكا بكل أوجاعه وسقمه وجموحه وجنونه، ووهبت كل عطف وحنان الأنثى، حبا ورعاية للرجل الذي أقعده عنها المرض. أي تضحية أكبر .. سوى الوفاء. وذلكم القابض على جمر الكرسي المتحرك يدحرجه تارة نحو اليمين وتارة أخرى نحو اليسار، بين أرجاء المعرض الفسيح، ما الذي يدفعه إلى أن يقوم بذلك بنفسه سوى الوفاء لابن «الكار» ولزملاء المهنة الذين جارت عليهم الأيام وعصفت بهم الأوهام، وما أنا سوى واحد منهم. إنه قينان الغامدي الذي يقبع الآن خارج النص يراقب المشهد، ثم ما الذي يدفع بذلك الجالس فوق كرسيه المتحرك، ويجعله يتجشم مشقة الوصول إلى المعرض؟ ولماذا - وهو بهذه الحال - لم يستسلم لمرضه، ويلزم بيته؟ لا شيء سوى انتماء مصطفى إدريس لحركة الثقافة ولكوكبة الرائعين من رفاقه الشعراء والكتاب والصحافيين. طوبى ل«عكاظ» التي احتضنت وما زالت تحتضن أمثال هؤلاء المبدعين والكتاب والشعراء والروائيين. لكل ذلك وأكثر، لم يكن معرض جدة الدولي للكتاب مجرد معرض للكتاب، بقدر ما كان هو الوفاء في أسمى تجلياته. كما لم تكن تلك اللقطة الرسالة مجرد لقطة عابرة بقدر ما كانت هي الكتاب الأكثر مبيعا في المعرض .. كتاب الوفاء.