وترى اللبيب محسداً لم يجترم شتم الرجال وعرضه مشتوم! هذا البيت للشاعر أبي الأسود الدؤلي يجسد فيه حالة لا أخلاقية أصبحت متفاقمة في مواقع التواصل، وتحديداً مضارب تويتر، حالة أشبه ما تكون بمضارب الفجور في الخصومة، فالرمز يتوسط حسابه العامر، والصبية «المتابعون» يتحلقون حوله، لا يرون إلا ما يراه، ولا يتلقون إلا ما يقول، من ردح وقدح لفلان، أو «ريتويت» ملغوم لفلتان، فينطلقون بكل ما خف وزنه وثقل مضمونه من سباب وقذف وبذاءات ضد كل من يخالف رمزهم أو ينزل من قدره أو يحيد عن أيديولوجيتهم الحزبية بفوضى لفظية غير مقيدة لا دينا ولا خُلقاً ولا إنسانية! تجد النخب المثقفة والمفكرين ورموز المجتمع هم أول الصيد الذي يفتح شهيتهم، فيسددون السهام الملغمة ضدهم وضد محبيهم، ولك أن تتخيل كم هو مؤذٍ أن يتلقى الإنسان طعنا في عرضه أو دينه، فما بالك إذا كان ذلك الشخص سويا ومعروفا أو امرأة عفيفة، وهذا ما يحدث فعلياً، لدرجة انسحاب البعض وإغلاق حسابه أو اللجوء للقضاء، بحثا عن الحق. أما الفئة المستهدفة الأخرى فهي فئة المشايخ المعتدلين وأصحاب الرؤى المختلفة نسبياً والمنفتحين على قضايا المجتمع، الذين لم يسلموا هم أيضا من البذاءات والعنصرية، لدرجة المعايرة باللون والعرق، كما حدث قبل أيام من إذكاء فج للعصبيات المقيتة ضد شيخ وقور وإمام سابق للمسجد الحرام، مثل الشيخ عادل الكلباني. بل لم يقتصر الأمر على الرجال، فقد أخذ البعض على عاتقه شن هجوم منظم في مواقع التواصل الاجتماعي مستهدفا أعراض النساء، خصوصا ذوات الرأي المستقل مستخدما أقذع المفردات وأكثرها تجريحاً وسقوطا لفظيا بلا مروءة ولا حياء! المؤسف أنه لا استثناء ولا قاعدة محددة لمن يستمرئ القذف بالشتائم والبذاءات على رؤوس الأشهاد، فمن العامي البسيط، وطويلب العلم محدود المدارك، إلى الأكاديمي والتربوي والداعية المشهور! لن أقول: أين الخلل وكيف أو متى ينتهي؟ فكلنا نعلم أن من يوجه بنثر البذاءة قادر على إيقافها بكلمة! ولكن أقول: إننا نمر بأزمة متفاقمة ليست كأي أزمة.. إنها أزمة أخلاق بامتياز!