مفاجأة سارة من الوزن الثقيل أضافتها الرياض إلى برنامج عملها السياسي الضخم وهي تعلن يوم قبل أمس عن تشكيل تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة مقره العاصمة السعودية. هناك أكثر من دلالة مهمة لهذا التحالف الذي يأتي في أشد الأوقات حاجة له، يمكن تلخيصها في الآتي. غرض التحالف الجديد هو «محاربة الإرهاب» وليس مكافحته، وهذا يدل أن المملكة تيقنت بشكل مؤكد، وأقنعت الدول المشاركة ال 34 بأن استراتيجية المكافحة لهذا الداء الخطير تشبه علاج ورم خبيث بما يسمى الخط الأول للعلاج الذي اتضح عدم جدواه الكافية وبالتالي لا بد من اتخاذ قرار باستئصاله وتصفية خلاياه المنتشرة من خلال الحرب الشاملة عليه باستخدام كل الوسائل، وذلك ما أشار إليه الأمير محمد بن سلمان في المؤتمر الصحفي عندما أكد أن الحرب على الإرهاب من خلال التحالف ستكون شاملة، عسكريا وأمنيا وإعلاميا وثقافيا واقتصاديا وبأي وسيلة أخرى تؤدي إلى تجفيفه. تشكيل هذا التحالف يعني أن الدول الإسلامية بقيادة المملكة استوعبت تماما أن المجتمع الدولي الذي تقوده الدول الغربية الكبرى ليس معنيا بشكل جاد وصادق وعملي بمحاربة الإرهاب كما يجب، فقد أثبت الواقع أن محاربة الإرهاب بمفهوم تلك الدول لا يزيد عن صناعة المزيد منه وتوحشه واستغلاله لمزيد من الأزمات التي تعاني منها الدول الإسلامية بشكل أساس داخليا وفي علاقاتها مع العالم، وإذا ما وقعت حادثة إرهابية في دولة غربية فإن مفهوم محاربة الإرهاب هناك هو حماية النفس أولا ثم تأزيم الأوضاع في البلدان الإسلامية ثانيا، ومزيد من خلط الأوراق داخل المجتمعات الإسلامية وعلاقاتها بالآخرين كما يفعل اليمين الفرنسي المتطرف والمرشح الجمهوري دونالد ترامب. للأسف الشديد فقد ارتبط الإرهاب بالإسلام والمسلمين كفكر وممارسة، وهنا لا ننكر أن بعض جذوره تمثلت في فكر متشدد رعاه بعض المنتسبين للإسلام، لكنه الآن أصبح صناعة منظمة ترعاها جهات استخبارية عالمية ومصانع أسلحة وتمويل ضخم ومخططات متقنة، أي أنه أصبح صناعة عالمية يستحيل أن يشاركنا المستفيدون منها في مكافحتها. نحن المتضررون منها أولا وأخيرا، وبالتالي فمسؤولية محاربتها تقع على عاتقنا، وما يدعيه الآخرون ليس سوى ادعاءات لا صحة لها. ومع كل ذلك فقد أكد التحالف الجديد حرصه على التنسيق مع الدول الصديقة والمحبة للسلام والجهات الدولية من أجل حفظ السلم والأمن الدوليين. إن تشكيل هذا التحالف قرار تأريخي لمواجهة أكبر محنة تمر بها الدول والشعوب دون استثناء، وقد تساهل العالم في التعامل معها رغم تحذيرات المملكة المتتالية، لكنها الآن تتسلم زمام القيادة من خلال رمزيتها الإسلامية والعربية وثقلها الدولي وصدق نواياها وإخلاص جهودها.