يروى ان الناس لما رأوا قلة الاهتمام والاعتبار الذي لدى ولد وخادم الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز تجاهه راجعوه في هذا وألحوا عليه ان يمارس الشدة والحدة معهم لكي تصير له هيبة عندهم، فرد عليهم بهذه العبارة العظيمة «لن نصلح اخلاقهم بأن نفسد اخلاقنا»، أي ان الشدة صحيح انها تجعل الآخرين أكثر التزاما بحدود التهذيب الحميدة في معاملة الشخص الشديد عليهم لكن من يعامل الآخرين بالشدة تفسد اخلاقه، فالخلق غير الهين واللين والطيب والسمح والسهل هو خلق فاسد، فالله لم يمتدح النبي بالحدة والشدة إنما امتدحه باللين والرأفة واللطف والبعد عن الفظاظة والغلظة والشدة والحدة والتعنت وهي السجايا السلبية التي بها يتم ايقاع هيبة الرهبة لدى الآخرين وتجعلهم يتصرفون بتصنع وتكلف لأجل مراعاة مرضاة صاحبها. لكن الشدة والحدة هي في الأصل من غرور الانا «الكبر» الذي من كان فيه مثقال ذرة منه حرم الجنة، فالشديد الحاد يحول دنيا الآخرين لجحيم ويحول الآخرون حياته الأخروية لجحيم، كما أنها لا تولد لدى الآخرين الفضائل والحب والاحترام الحقيقي، فما تولده من سلوك ظاهره التهذيب هو تصنع وتكلف ونفاق ورياء وكذب ومداهنة تجنبا للعقوبات المادية والمعنوية لصاحب الشدة والحدة في السلوك. وهكذا كلا الطرفين تتكرس فيهما سجايا سيئة وفاسدة مهما كان ظاهرها يبدو كمظاهر السلوك الحسن، ولهذا من يهتم بتربية وتكريس الاحوال الحسنة في نفسه وفي غيره عليه التخلي عن الحدة والشدة مع الآخرين في مسعى فرض حدود الهيبة والرهبة في نفوسهم تجاهه بما يجعلهم يتكلفون إرضاءه ليتجنبوا عقوباته المادية والمعنوية والتي لا تعبر عن احترام وحب وحرص حقيقي على مرضاته. فالتهذيب والادب والحب والاحترام الحقيقي هو ذاك الذي يكون في غياب الإكراه والاضطرار المادي والمعنوي، ودائما الرصيد التراكمي للإحسان والفضل والطيبة والسماحة واللين واللطف والرأفة وترك الشدة والحدة والاكراه والتقريع واللوم هو ما يولد في النهاية الاحترام والحب والاجلال الحقيقي النابع من القلب. ولو استحضر وتمثل الناس العاديون مقولة الخليفة عمر بن عبدالعزيز في معاملتهم لخدمهم وافراد عوائلهم لما فجعنا بشكل شبه يومي بحوادث ردات الافعال على ضغوطات الطرف الذي يحاول قولبة سلوك الآخرين وفرض هيبته عليهم بالشدة والحدة والعنف، والتي تتمثل بجرائم قتل الخادمات للعائلة التي تعمل لديها او انتحارهن، وأيضا جرائم قتل افراد العائلة لبعضهم وبشكل خاص قتل الابناء للوالدين، فلكل فعل ردة فعل من جنسه ولهذا الشدة مفسدة.