صحيح أن المواقف والتصريحات الصادرة عن مسؤولين رسميين أمريكيين وأوروبيين ترفض الخلط بين الإسلام والعرب من جهة، وبين «الإرهابيين» من جهة أخرى، لكن بعض وسائل الإعلام الغربية والعديد من السياسيين الغربيين يبثون في كثير من الأحيان ما هو مصدر خوف وشك وريبة في كل عربي وكل مسلم في أمريكا وأوروبا. فكل الساحة الإعلامية الغربية مفتوحة لبث سمومهم وأحقادهم على الإسلام والعرب، لكن أيضا هي ساحة مفتوحة على «دعاة الخير» من العرب والمسلمين لكي يصححوا الصورة المشوهة عنهم. وكما هناك العديد من الحاقدين في أوروبا وأمريكا على العرب والمسلمين، هناك أيضا الكثيرون في الدول الغربية الذين يرفضون العنصرية ويريدون المعرفة الصحيحة عن الإسلام والقضايا العربية من مصادر إسلامية وعربية، بعدما لمسوا حجم التضليل السياسي والإعلامي الذي رافق الحرب على العراق في العام 2003، والتي جرى تبريرها بالحرب على الإرهاب. في هذا العالم المستنفر لمحاربة الإرهاب، تعود «المسألة الإسلامية» من جديد لتكون في صدارة الاهتمامات الإعلامية في الغرب عموما، ولتكون عنوانا لأي عمل إرهابي يحدث من قبل أي شخص مسلم، بينما توصف الأعمال الإرهابية الأخرى، التي يقوم بها من هم من غير المسلمين، بأنها أعمال عنف إجرامية فردية. إن الذين يسوقون الآن في الغرب من جديد لفكرة «الصراع بين الإسلام والغرب» يريدون فعلا بهذه الدعوة جعل الغرب كله بحالة جبهة واحدة ضد الإسلام كموقع جغرافي، وقلب هذا الموقع الجغرافي هو الوطن العربي. لكن هناك في داخل الغرب قوى تريد التقارب مع العرب والمسلمين، كما هناك في داخل الغرب قوى تريد العداء معهم. هناك في داخل الغرب قوى تتصارع مع بعضها البعض، وهناك في داخل العالم الإسلامي حروب داخلية على أكثر من مستوى. إذ ليس هناك جبهتان: غربية وإسلامية، بل هناك كتل متنوعة وقوى متصارعة في كل من الموقعين. إن الغرب تحكمه الآن حالة «الجهلوقراطية» عن الإسلام والعرب والقضايا العربية، وهي الحالة التي تجمع بين مجتمع ديمقراطي تسهل فيه تأثيرات وسائل الإعلام، وبين تضليل وتجهيل تمارسه بعض هذه الوسائل -عن قصد أو غير قصد- لمسائل تتعلق بالعرب وبالمسلمين وبقضايا المنطقة العربية. لذلك، من المهم أن يعمل العرب والمسلمون في أمريكا وأوروبا على تعميق معرفتهم السليمة بأصولهم الحضارية والثقافية وأن يقوموا بالفرز الفكري بين ما هو «أصيل» وما هو «دخيل» على الإسلام والثقافة العربية. كذلك، فإن من المهم أيضا، إضافة إلى إدانة ما حدث من أعمال إرهابية، التشجيع على أسلوب الحوار الدائم بين المؤسسات والهيئات العربية والإسلامية في أمريكا والغرب، وبين غيرها من المؤسسات والفاعلين بالمجتمعات المدنية لهذه البلدان. فهناك أطراف عديدة تريد فرز عالم اليوم بين «شرق إسلامي» موصوف بالإرهاب و «غرب مسيحي» محكوم بالعلمانية والديمقراطية. *(مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن)