«معاذ وحاتم يتحاوران.. ينظر كل منهما باتجاه المحيط الممتد اللانهائي». معاذ : هل حقا أنهم بحثوا عنه في الشرق والغرب.. ووجدوه.. ثم أعادوه مقيدا في طائرة معبأة بصراخ الأطفال ؟ حاتم : لا أظن. معاذ : سمعت ذلك.. الذين سمعوا ذلك كثيرون.. يقال إنه كان ينتظر على الشاطئ.. يحتسي قهوته.. يقال أيضا إنهم وجدوه وقد جفت عيناه وانقطع صوته. حاتم : هل تصدق ذلك ؟؟ أنا لا أثق في هذه الخرافات.. هل نسيت لم نحن هنا ؟.. لنشرب القهوة فقط.. دع الحديث حول الأساطير لمكان آخر.. لمناسبة أخرى.. أريد أن أشرب قهوتي فقط.. وإن كنت مصرا على الحديث فحدثني إذن عن سعر الطماطم.. أو البيض.. حدثني عن مزايا السيارات الألمانية.. عن النساء. نعم نعم عن النساء.. المرأة ذلك الكائن الخرافي.. هذه هي الخرافة الوحيدة التي أسمح لك بالحديث عنها.. المرأة : لغة الحب معاذ : اعذرني، لكن من يسأل عن أسعار الطماطم والبيض وعن السيارات الألمانية لا يتحدث عن المرأة بهذا الشكل.. هل تفهم قصدي ؟ «يغمز بسخرية» حاتم : أخبرني إذن كيف تتحدث أنت عن المرأة.. معاذ : ليس لك شأن بي.. ثم إن الحديث لا يتحدث عن حديثي بل عن حديثك وليس حديثي. «صمت مفاجئ» «معاذ يكمل بصوت منخفض..» هل تعرف.. ؟ تدهشني بحديثك هذا.. ببرودة أعصابك.. وطريقة جمعك للأشياء التي لا صلة بينها.. إنك تعجبني. حاتم : سأقول لك.. أنت رجل طيب.. ولا تحتمل المغامرات الفكرية والذهنية التي أخوضها مع نفسي.. لقد كنت جادا عندما أردتك أن تحدثني عن سعر الطماطم والبيض.. وكنت شبه جاد في ما يخص السيارات الألمانية.. ولست جادا بالمرة في ما يخص النساء.. ما لك وللنساء ؟ أنت رجل خرافي تتتبع الخرافات الاجتماعية النزقة.. أنت من الطبقة الكادحة فكريا.. من مستمعي الأغاني المبتذلة. «يقاطعه معاذ» معاذ : هل ستقول لي إنك تحفظ أوبرا كارمن عن ظهر قلب ؟ أفق يا رجل إنني شرس ونابي أزرق.. احذر. حاتم : «يتصنع المفاجأة» على مهلك.. لم أقل شيئا يغضبك. «يقاطعه معاذ بحدة» معاذ : هل تظن أن شيئا يبقى على حاله ؟ حتى إنك لا تستطيع أن تعيد هذا الحوار لمبتداه.. لقد نفذت منك الكلمات كالماء الجاري، انسابت من بين أصابعك. (وقفة) حاتم : حسنا، لنسلم بما تقوله لبعض الوقت.. هل بإمكانك أن تذكرني بما دار بيننا من حوار ؟؟ معاذ : ذلك غير ممكن أبدا.. لقد انسابت الكلمات كالماء في نهر «هيرقليطس» (**).. مع أننا أمام المحيط.. والسماء قريبة.. أقرب من أي وقت مضى. حاتم : «وقد أخذته الكلمات كل مأخذ» هذه كلمات شديدة الفائدة. «صمت» معاذ : بم توحي لك هذه الكلمات على أية حال ؟ حاتم : إنها تذكرني بالزمن.. الزمن الذي يتدفق من كل مكان. معاذ : بدأت تفهمني إذن.. «وقفة» حاتم : أظن أنني قد أصدق كل كلمة قد تقولها بعد الآن.. «ينظر لمعاذ نظرة تأمل» معاذ : لا أطلب منك ذلك، ولو أن هذا قد يكون كل ما يطلبه إنسان من الآخرين.. لكن ألا تظن أن الحديث عن سعر الطماطم والبيض والسيارات الألمانية حديث مستهلك ؟ تسطيع أن تسمع مثل هذا الكلام في أي مكان وفي كل وقت. حاتم : إن ما يدفعني لطلب مثل هذه الأحاديث هو الخوف.. الخوف من الكلمات والأحاديث التي أجهلها ! معاذ : لكن الخوف استثناء يا صديقي.. حاتم : ماذا عن الجوع، البرد، الألم والموت ؟ معاذ : ... ماذا ؟ حاتم : حقا.. نحن أمام المحيط، والسماء قريبة أكثر من أي وقت مضى.. لكن الكلمات لا تقال مرتين. وقهوتك قد بردت. «ستار» ( * ) مشهد من مسرحية (السماء القريبة) ( ** ) فيلسوف يوناني صاحب مقولة «لا أحد يستحم في النهر مرتين» كاتب سعودي @salman2me