طال غيابك، وطال الاشتياق إليك، فمتى تعود؟ أين أنت أيها المرتحل بعيدا عن عالمنا؟ كم نفتقدك ويهزنا الحنين إليك، نحن إلى رائحتك الزكية وعطرك الممزوج بالمحبة، إلى نسيمك الناعم يهدي إلى الأرض أريج الريحان والقهوة والهيل! أيها السلام المرتحل بعيدا، لسنا وحدنا من يفتقدك، تفتقدك العصافير المروعة، والأشجار المحترقة، ونجوم السماء وندى الليل البليل. منذ أن رحلت لم تعرف الأرض بعدك شيئا كما الحزن والشقاء والألم. لم قبل أن ترحل تعمدت أن تدس في حقيبتك النور والنوم والطمأنينة؟ لم أبيت إلا أن تصحب معك الابتسامة والفرح والأمل؟ رحلت وما تركت للقلب بعدك شيئا، سوى الفجيعة المذهلة! منذ أن رحلت والسفاحون موغلون في لعق الدماء وتمزيق جسد الأرض، ينهشون ترابها بهمجية يعجز عن مثلها وحوش الغابات! منذ أن رحلت وهذا العته المحترف صناعة الموت لا يتوقف، مكائن الموت تهدر، تحصد الأرواح بلا هدف، ولا معنى، تنتج البؤس والفزع والدمار بمهارة بربري قادم من عصر الحجر! منذ أن رحلت لم تعد الحياة قادرة على ولادة شيء جميل، نسيت الحياة كيف يكون الجمال، فما عادت ترسم لنا سوى خطوط الشقاء والبؤس تتعرج داخل العيون الذابلة، وعلى صفحات الوجوه الشاحبة ببقايا الجوع والخوف. منذ أن رحلت لم يعد هناك سوى سواد الدم تغتسل به الطرقات، وتعانقه أشباح الموت تتزاحم فيما بينها. ومنذ أن رحلت ونظرات اليتامى الكسيرة خنجر مزروع في القلب. أيها السلام الغائب، متى تؤوب؟ لقد طال بك النوى، وطال بنا الانتظار، وآن للقلب أن ينفجر غضبا وألما وحزنا، بعد أن بات منهكا غير قادر على تحمل المزيد من سماع شهقات الأطفال ونظرات عيونهم البريئة يرتسم داخلها سواد ظلم الإنسان لأخيه الإنسان!.