يحاول الشخص أن يتكيّف مع كثير من الأنماط المختلفة لشخصية الإنسان الذي يلتقيه ويختلط به، في ظل وجود من قد يتصف بالانطوائية أو الخجل أو التردد؛ بيد أن من أكثر الشخصيات رفضاً وانتقاداً من قبل الآخرين صاحب الشخصية المغرورة، الذي يعتقد أنه فوق الجميع، أو أنه يستطيع أن يفعل ما يشاء وقت ما يشاء، أو أنه يمتلك من المهارات والقدرات ما ليست موجودة لدى غيره من الناس، فيرى حينها أنه هو من يستطيع أن يغير كل ما يقع تحت يده، أو أنه يحق له إبداء رأيه والتباهي بكل ما يتصور أنه يملكه ولا يملكه غيره، في حين تبقى هذه الشخصية في الحقيقة تدور حول ذاتها المتقوقعة في إناء الأنا وحب الذات، التي لا يمكن إلاّ أن تأخذ دون أن تعطي، ويبقى الإنسان المغرور في دائرة مرفوضة معرضة للانتقاد من المجتمع، حتى إن وصل المرء إلى أعلى المناصب. والسؤال: لماذا يصر بعضهم على السير في طريق الغرور إلى أن يتحولوا إلى شخصيات مريضة نفسياً نتيجة لذلك؟، ورغم أن عددا من الدراسات النفسية والاجتماعية أثبتت قدرة الفرد على التعايش مع الجميع بعيداً عن جنسه أو مكانته الاجتماعية أو الوظيفية أو العلمية، إلاّ أن بعضهم لا يزالون بعيدين عن هذا الإطار، وهل لأفراد المجتمع دور في دفع الشخصية المغرورة إلى سلوك هذا المسلك الشاذ؟. قصائد شعرية وقالت «ليلى العنزي» إن كثيرا من الشخصيات التي تتصف بالغرور إنما هي لا تملك في ذاتها أي شيء معتبر، مضيفة أن المشكلة تأتي حينما يكون هناك شخص ليس لديه ما يميزه من الآخرين ومع ذلك فهو يمارس الغرور على من حوله ويكون كمن يكذب الكذبة ويصدقها، موضحة أن هؤلاء أصبحوا كثرا للأسف في المجتمع، خاصة بعد أن طغت المظاهر على المحيط الاجتماعي وأصبح الإنسان يقاس لدى بعض بما يملك من مال أو يرتدي من الثياب أو عبر طريقة حديثه، مبينة أنه يوجد من يملك كل ذلك، بيد أنه في الحقيقة فارغ من الداخل؛ فيشعر بالغرور والتعالي على من هو في الحقيقة أفضل منه. د. محمد شاووش وأضافت أن لبعض أفراد المجتمع دور كبير في دفع بعض للاتصاف بالغرور، فهناك من الفتيات من تصاب بالغرور الشديد وهي قد تكون فاشلة في دراستها ولم تنجز في حياتها أي شيء، كما أنها قد تكون كاذبة ونمامة وسطحية، ولكنها تملك شيئاً من الدعم الخارجي الموجه نحو مظهرها الخارجي أو نحو مستوى أسرتها أو منصب والدها؛ فتشعر حينها بالغرور وتمارس الفوقية على الآخرين وهي في الحقيقة لا تملك ما يجعلها تتفوق عليهم. وأشارت إلى أن الأم قد تُمجِّد ابنتها أحياناً وهي في الحقيقة ليس لديها ما يميزها من غيرها، كما أن الزوجة قد تُشيد بزوجها لدرجة دفعه إلى تصديق هذه الكذبة، وحينها يشعر بالتعالي على الآخرين، إلى جانب أن الصديقة قد تجامل صديقتها حينما تراها تمارس الغرور على الآخرين وتدعي أمامها أن تلك الصفة تضيف إليها كثيرا من الجمال والعصرية، مشيرة إلى أن كل شيء قد يدفع ويشجع بعضهم على الغرور والتعالي، مستشهدة في ذلك ببعض القصائد الشعرية التي يصف فيها الحبيب حبيبته بأنها جميلة ومغرورة، وكأنه في هذه الحالة يرى أن في الغرور ثقة وجمالاً إضافياً للإنسان، مؤكدة أن هذه الأفكار تعد مغلوطة ويجب على المجتمع أن يتخلص منها ويحاربها حتى على مستوى ثقافته. التسلط والغرور وجهان لعملة واحدة مواقف سلبية وترى «عفاف عقيل» أن المغرور في الحقيقة يحاول أن يُخفي النقص الذي لديه في شخصيته عبر هذا الغرور، مضيفة أن العظماء من الناس والعديد من الشخصيات المؤثرة في المجتمعات لم تتصف بالغرور، بل كانت تتصف بالبساطة والقرب من الآخرين والبعد عن التعالي، موضحة أن صاحب الشخصية المغرورة يعلم في الحقيقة أنه ليس لديه ما يقدمه، كما أنه يخشى في حال امتلاكه ما يستطيع تقديمه أن يكتشف المحيطون به الجوانب الأخرى من ضعفه، مشيرة إلى أن المجتمع عادة ما يرفض من يتصف بالغرور، وربما تجاهل هؤلاء المغرورون وسعى إلى التقليل مما يقدمونه؛ حتى يشعروا بحقيقة غرورهم، لافتة إلى أن الفوقية أسوأ ما يمكن أن يتصف به الشخص، خاصة حينما يتطلب وضعه الاجتماعي أو الوظيفي أن يتصف بالتواضع والقرب من الآخرين. وأضافت أن الغرور قد يفسد على صاحبه كثيرا من الصفات الجيدة التي يتصف بها، موضحة أن شعوره بالتعالي وممارسة الفوقية على الآخرين هي ما يحجم صفاته الأخرى الجيدة وتنتقص من قدرها، فهناك من يكون في موقف لا يحسد عليه وقد يخسر أشياء كثيرة بسبب غروره، ومع ذلك فإنه يُصرّ على التكبر، حتى إن أدى ذلك إلى خسارته لما يحب أو ما يجد فيه منفعة كبيرة له، مشيرة إلى أن أسوأ أنواع الغرور ذلك الذي يرافقه عناد من جانب صاحب هذه الشخصية، إلى جانب عدم رجوعه عن المواقف الخاطئة أو السلبية التي قد تتسبب في ظلم الآخرين أو إتعاسهم. صفة مذمومة وأوضح «د. محمد شاوش» - استشاري نفسي، نائب رئيس الجمعية السعودية للطب النفسي - أن الغرور يعنى التعالي على الناس، مضيفاً أنه يمكن أن يكون حالة مرضية، كما أنه من الممكن أن يكون جزءً من شخصية الإنسان، مشيراً إلى أنه صفة مذمومة، والصفة المذمومة يمكن أن تكون من ضمن صفات الإنسان، ولكنه يحاول أن يأخذ وضعاً معيناً بحيث يغطي على نقاط ضعفه، لافتاً إلى أنه يمكن أن يكون هناك شخصاً ليس له باع في العلم أو ليس له مكانة اجتماعية أو مالية فيحاول أن يغطي على ذلك بالغرور، مبيناً أن هذه الحالة عبارة عن حيلة دفاعية غير ناطقة. وقال إن بعض الصفات الموجودة في شخصية الإنسان تكون أحياناً من صفات الشخصية النرجسية، مضيفاً أن صاحب هذه الشخصية يرى أنه دائماً أفضل من الآخرين ويشار له بالبنان ويحب أن يكون صاحب الرأي الأوحد ولا يقبل النقد، إلى جانب أنه لا يقبل أن يراجعه أحد في أي شيء، ويحب الصدارة في كل أموره، وعندما يواجهه أحد ما بالحقيقة، فإنه يشعر بالتوتر والضيق والانزعاج، موضحاً أن هذه الحالة تتفاوت من حيث الشدة من شخص لآخر، فهناك من تكون فيه بدرجة متوسطة، في حين توجد لدى البعض بدرجة كبيرة. مشكلة مرضية وأضاف «د. شاوش» أن الغرور في بعض الحالات يكون مشكلة مرضية، أي أن هذا الشخص لديه التعالي والعظمة على الآخرين، موضحاً أن هذه الحالة تعد نوعاً من الأفكار الضلالية وهي المعتقد الجازم الخاطئ الذي لا يقبل التأويل، فعلى سبيل المثال حينما يوجد شخص يعتقد أنه صاحب أموال أو صاحب نفوذ أو أنه نبي أو أمير وهي فكرة مغلوطة ومرضية، ومع ذلك فإنه ليس لديه قدرة على السيطرة على هذه الحالة، مشيراً إلى أنه يمكن علاج هذه الحالة؛ لأنها عادة ما تكون ناتجة عن خلل كيميائي في السمات، كما أنها يمكن أن تكون موجودة في بعض الأمراض، ومن ذلك الهوس والانفصال، وغيرها. وأشار إلى أن العديد من الدراسات أثبتت وجود ارتباط بين حصول الإنسان على مكانة اجتماعية أو وظيفية أو علمية وبين الغرور، فالإنسان حينما يستمر في منصب ما لفترة زمنية طويلة، فإنه يبدأ يتقمُّص شخصية التعالي؛ لأن الإنسان يتأثر بالمنصب وبالمكانة التي له في المجتمع، مضيفاً أن من أهم التوصيات التي ظهرت في هذا الشأن ألا يستمر الإنسان في أي منصب، سواء كان رئيس دولة أو وزيراً أو مديراً لفترة تزيد على أربع سنوات؛ لأنه سيبدأ حينها في التأثر بهذه المكانة التي وصل إليها. هالة اجتماعية وأكد «د. شاوش» أن المجتمع قد يكون له دور كبير في جعل بعض الأشخاص يصابون بالغرور؛ لأن المجتمع يضع البعض أحياناً في مكانة لا يستحقونها، فيمنحون الشخص حينها هالة اجتماعية لا يستحقها، وقد يمجدون أشخاصاً ويعطونهم أكبر مما يستحقون، وبالتالي تكتب عنهم الكتابات ويصلون إلى الشهرة وهم لا يستحقونها في الحقيقة، مشيراً إلى أنهم يوصلونهم بذلك إلى درجة الغرور المطلق، لافتاً إلى أن دور المجتمع يعد محدوداً في مجال دفع الشخصية المغرورة للتخلص من غرورها؛ لأننا كأشخاص لا نقبل النقد، ولكن من الممكن أن نعمق انتشار الدورات التي يستطيع الشخص عبرها أن يفهم شخصيته ويفهم الحيل الشخصية الموجودة فيها، وبالتالي يستطيع أن يصل إلى مراجعة حساباته، مبيناً أن هناك نسبة عالية من الناس لا يملكون البصيرة اللازمة لفهم طبيعة أنفسهم ولا يقبلون النقد من الآخرين، موضحاً أن لدينا القدرة على أن ننتقد الآخرين، ولكن من الصعب أن نكتشف عيوبنا ونسلط الضوء عليها.