هل يصدق أحد أن بلد محمد عبده وطلال مداح وعبادي الجوهر وعبدالمجيد عبدالله وثلة من المطربين الكبار الذين رفعوا أسهم الغناء المحلي إلى مقدمة ساحة الأغنية في العالم العربي.. هل يصدق أحد أن هذه البلاد ليس بها فرقة موسيقية محلية؟ لا نريد البكاء على الماضي.. فكما خسرنا النمط الاجتماعي المتسامح والمتنوع، خسرنا كثيرا من قوانا الناعمة التي تم إهمالها لزمن طويل، فقد كان عهد هذه القوى سخيا، إلى أن نهض زمن الصحوة وأحال كل الفنون إلى التحريم، الرسم محرم والتصوير محرم والنحت محرم والسينما محرمة والغناء محرم، حتى أصبح من النادر أن تجد شيئا لم يطله التحريم أو الكراهة، بينما هي أمور خلافية والقاعدة الفقهية تقول إن ما تم الاختلاف فيه يظل في خانة التحليل. ولكي نكون صادقين مع مشاكلنا الاجتماعية يصبح من الضرورة الحديث عن تغيب الفنون من حياتنا، فتغيبها ليس بالمنع فقط بل أيضا باختصاره أو عدم تمويله أو دفع الفنانين لممارسة فنهم في الخارج أو عدم الاهتمام بالمنشغلين في هذا المجال. ونتيجة ذلك ماتت كثير من الأنشطة الفنية وإن ظلت تجاهد للبقاء من خلال المحبين لهذا الفن أو ذاك. ولا أبالغ عندما أقول إن جميع الفنون تقريبا غدت تمارس وجودها خارجيا، سينما ومسرح وغناء ونحت ورسم. لنعد إلى الصدق، لا يمكن إلغاء فن بشري أوجده الإنسان من العهد الأول، فمهما حجب سيجد له مكانا يتنفس من خلاله، ولأن المجتمع به تنوع لا يمكن إنكاره كان لزاما تنوع الفنون بتنوع أطياف المجتمع. نقول: سقى الله زمن أول كانت الحياة أسهل وأعمق وجودا، كانت الحياة متواجدة من خلال قلوب تعرف الله ورسوله من غير مغالاة أو تنطع.. وفي هذا الزمن ظهر لنا أن المتنطعين قاموا بسرقة حياتنا، وأن كثيرا من الفنون التي حرمها البعض تحريما قطعيا لا يوافقهم على ذلك كثير من علماء الأمة الإسلامية، أي أنها مسألة خلافية.. ودائما أقول كيف تم تحريم التصوير لزمن طويل والآن تجد من كان يحرمه يسابق الفلاشات لكي تؤخذ له صورة! وسقى الله أيام التلفاز السعودي حينما كان متنوعا بتنوع المجتمع، وكان لا يبخل على المهتمين بالفنون من خلال الدعم والرعاية وتلبية الاحتياجات الفنية.. سقى الله أيام أول.. ولأن الإذاعة والتلفزيون خرجا من عباءة زمان وغدت هيئة وكان المؤمل منها الكثير إلا أنها لم تقد المسيرة لسحبنا من الرمال المتحركة التي نقبع فيها.. فهل تعلم الهيئة بأن المملكة مجتمعة ليس بها إلا قسم وحيد للموسيقى هو الإذاعة في جدة.. ولمن أراد أن يتحسر معي أقول تم إغلاق قسم الموسيقى في الرياض والدمام.. أليس محبطا أن بلاد عمالقة الفن ليس بها فرقة موسيقية سعودية؟. بعد هذه المقدمة الطللية هل وصل خبر احتياجات قسم الموسيقى الوحيد في المملكة لمعالي وزير الثقافة والإعلام، وقبل الاحتياجات من يصدق أن هذا القسم الوحيد مكون من خمسة عازفين فقط وهم: فنان قانون وحيد، فنان كمان وحيد (أجنبي)، فنان اكورديون وحيد (أجنبي) فنانا إيقاع... هذا هو قسم الفرقة الموسيقية السعودية.. هل يعقل هذا؟ هؤلاء الخمسة يعرفون تماما أنهم اللبنة الوحيدة المتواجدة على المسرح، ولو كان هناك دعم أو اهتمام فيمكن القول يا معالي الوزير إنهم بحاجة إلى الحد الأدنى من الوجود، فمثلا هم محتاجون لتجهيز استوديو الموسيقى بأجهزة تسجيل بنظام التراكات (بروتولز) فهم متواجدون داخل غرفة.. غرفة فقط ويحتاجون لمهندسي صوت تسجيل موسيقي على أن يكونوا محترفين وكذلك عازفي آلة أورج وموزع موسيقي متخصص وأربعة عازفي كمان وعازف تشلو وعازف عود وعازف ناي وعازفي إيقاع، هذه هي الطلبات.. فهل يعقل أن تكون هذه الاحتياجات لبلد ظلت لسنوات طويلة تمثل الريادة الموسيقية؟.. الحسرة أعمق من الشكوى وأرق من الطلب. [email protected]