ليس خافياً على أحد أن إطلالات المطرب اللبناني عبد الكريم الشعار ذي الصوت الشرقي الرخيم، قليلة. لكنه كلما أطلّ، يفاجئ جمهوره بصوته الذي يزداد نضارة، لا سيما في التواشيح والمدائح التي عُرف بها، والأغاني الطربية التي دأب على أدائها بحنجرته القوية المشبعة بالعُرب والآهات. «...شي غير شكل» عنوان الحفلة التي يحييها الشعار عند الثامنة والنصف من مساء اليوم، على خشبة الأوديتوريوم - مبنى الزاخم في حرم جامعة البلمند - شمال لبنان، بمشاركة فرقة «البلمند للغناء الشرقي». الحفلة لن تكون اعتيادية «لأن الموسيقى كالحب لا تقدّم بقياسات وحسابات رياضية، فالجمهور سيدها سيغني ويتفاعل مع كل ما يتحرك على المسرح»، كما قال الشعار ل «الحياة». أراد ابن طرابلس أن تتحوّل خشبة المسرح الى مقهى يمثّل شرائح المجتمع العربي بألوانه وتراثه وتنوّعه. فأولى مهمة الإخراج لهشام جابر الشاب الموهوب الذي أضفى على المسرح روح شارع محمد علي في القاهرة ومقاهي بيروت وحواري الشام العتيقة، من خلال الديكور والأزياء التقليدية. ولم ينس الشعار القهوة العربية وبائعيها المتجوّلين، فأتى بأحمد العبد الموسيقي الطرابلسي الذي هجر مهنته التي لا تطعم خبزاً في بلادنا، ولجأ الى بيع القهوة في الشوارع في أباريق نحاسية وفناجين عربية لصوتها رنّة متميّزة يحفظها أهالي المدينة. الحفلة إذاً ليست موسيقية وحسب، فهي نوع من العروض المعاصرة التي يتخلّلها جزء من التمثيل العفوي مع أحمد العبد، وعمل جذاب على الإضاءة (وسام يحيى) الملوّنة والمتغيّرة بين مقطع موسيقي أو أغنية. أما الموسيقى، فانتقى الشعار العارف بثناياها وخفاياها معرفة جيدة منذ نعومة أظفاره، أغاني لأشهر الملحنين والمطربين المصريين واللبنانيين والسوريين. والقاسم المشترك بين الأغاني أن كلاً منها كان بمثابة «قفزة» أو «شيفرة» شهرت صاحبها. ومن الأغاني «على خدو يا ناس ميت وردة» لمحمد عثمان التي غناها عزيز عثمان، و «ألاقي فين زيّك يا علي» التي غنتها صباح، و «يا بو العيون السود» لكارم محمود ومحمد عبدالمطلب، و «بترحلك مشوار» لفيلمون وهبي، و «سلامتك يا حسن» التي جعلت من أحمد عدوية فناناً شعبياً يدخل صوته كل بيت عربي. وإضافة الى هذه الأغاني أعاد الشعار تلحين قصيدة «جاءت معذبتي» التي غنّتها فيروز، بأسلوبه الخاص الذي يطبع به كل ما سيُؤدّيه في الحفلة اليوم. وسيقدّم الشعار لجمهوره أغنية «لا تسأليني ليه العذاب» التي لحّنها له مطر محمد في العام 1973 حين فاز في برناج الهواة اللبناني «استوديو الفن». لكنه احتفظ بها حتى الآن ليقدّمها بأبهى حلّة لأول مرّة. وهي أغنية جمع مطر محمد في نوتاتها الموسيقية بين الفلامينكو والطرب المصري المشبّه باللهجة البدوية. كما اختار الشعار العازف على الرقّ أيضاً، موسيقيين متميّزين على الساحة اللبنانية ليشاركوه الحفلة، مثل أحمد شبو (كمان)، خالد ياسين (طبلة وكاخون)، محمد حيدر (أكورديون)، وسام جابر (بزق وعود)، مصطفى الأسمر (رقّ)، نهاد عقيقي (قانون)، وخالد نجار (عود). وستبدأ الحفلة بتأدية كورال البلمند مجموعة من الأغاني الفلكلورية اللبنانية. ويذكر أن هذه الحفلة ستسجّل كاملة، لتصدر في «دي في دي» يوزّع في الأسواق. ومن المعروف أن صوت الشعار عندما غنى في «استوديو الفن» لفت الأنظار لتميّزه بنفحة شرقية إسلامية صارت نادرة إذا لم نقل اختفت. فالغناء الديني الذي يؤديه الشعار بحرفية يحتاج الى أنفاس طويلة، حتى يتمكن المغني من تظهير الحروف وفقاً لأحكام التجويد. وهي أحكام تتطلب دقّة والتزاماً وانضباطاً كأحسن ما يكون الحال. وعبد الكريم الشعار ابن عائلة طرابلسية محافظة ومنفتحة على الفنون في الوقت نفسه، عائلة أولت الغناء والموسيقى اهتماماً خاصاً. فأمه تتمتّع بصوت رخيم، وأخوه مُقرِئ معروف. وعبدالكريم هو ربيب المجتمع الطرابلسي الذي قلّما تجد بيتاً لا يوجد فيه عازف واحد على الأقل أو مغن، في أوائل السبعينات. وتربى عبدالكريم الشعار في كنف وأجواء «مقرئ لبنان الأول» الشيخ صلاح الدين كبارة الرجل الذي كان ملماً بأصول المقامات الشرقية. ويتجلى ذلك في ما انفرد به الشعار كمطرب أو كأحد المطربين الأصيلين في لبنان، واهتمامه بالموشحات والمدائح والتراتيل الدينية.