خلال خمس سنوات فقط، عمل الشاب الاسكتلندي مزارعا في فرجينيا، ثم مساعد بقال في إحدى بقالات نيويورك، إلى أن قرر العودة إلى بلاده ليفتتح بقالته الصغيرة في 1870، وبعد ثمانية عشر عاما وثلاثمئة بقالة، دخل توماس ليبتون تجارة الشاي وخلطاته، وتمكن العمال بعدها من الإدمان على ذلك المشروب، بعد أن كان حكرا على أثرياء القوم. منذ أن سقطت تلك الورقة الخضراء في كأس الماء المغلي للإمبراطور الصيني شينيانج قبل خمسة آلاف سنة، بدأت قصة عشق أسطورية بين الإنسان والشاي، لكن هذه القصة ظلت حبيسة سور الصين العظيم حتى نقلها البريطانيون إلى أوروبا. رحلة الشاي لم تتوقف هنا، فأهل المغرب الذين تلقوا هدايا الأوربيين من الشاي والسكر أضافوا أوراق النعناع الخضراء، أما أهل الهند فنادرا ما يتناولونه دون مزجه بالحليب، لكن الطريف في الأمر أن العراقيين الذين احتفوا كثيرا به، سموا كؤوسه استكانة مستمدين الاسم مما كتب على العلبة (East Tea Can). لئن كان غيري بالمدامة مولعا فقد ولعت نفسي بشاي معطر رغم الاختلافات الواضحة بين الشاي الأحمر والأخضر، إلا أنهما أبناء شجرة واحدة، لكن الأول تعرض لأهوال الحياة فتأكسد وتخمر حتى توهج احمرارا، أما شقيقه الأخضر فهو الابن المدلل الذي ظل طريا، لذلك فهو يحتوي على نسبة أكبر من مضادات الأكسدة المفيدة لمقاومة الأمراض، ونسبة أقل من الكافيين. الشاي هو ثاني مشروب بالعالم، بحجم تجارة سنوية تقدر بعشرة مليارات ريال، حيث تنتجه الصينوالهند وسريلانكا وكينيا، وتعيد تصديره دبي، ليشربه كل بطريقته. في المرة القادمة وأنت تطلب من الجرسون (براد أبو أربعة) في قهوة شعبية وسط البلد، أو كأسا من الشاي المثلج في مقهى فاخر تذكر أن بداية القصة كانت ورقة سقطت في ماء مغلي صدفة، ولو رماها الامبراطور لما تلذذنا برشفة شاي ولا تمتعنا بصوت الفاتنة طروب وهي تغني بدلال: يا صبابين الشاي زيدوا حلاته.