كلمة «استحوا» من أجمل الكلمات القديمة لأنها تحمل مجموعات كبيرة وكثيرة من المعاني القوية جدا. وعندما تنطبق على بلد بأكملها تصبح صرخة، وليست كلمة. وهذا المقال عن إحدى تلك الحالات التي تنطبق صفة «قلة الحياء» على حكومة بأكملها. الحكاية تدور حول طائرة مقاتلة فرنسية الصنع اسمها ميراج ومعنى الكلمة «السراب». وكانت بدون أي مبالغة من أجمل الطائرات في العالم. تميزت بعدة مميزات ومنها تصميمها «الصاروخي».. كانت تبدو وكأنها مسرعة حتى وهي واقفة على أرض المطار. وكانت أجنحتها عبارة عن مثلث عملاق. وبالرغم من حمولتها العالية، كانت انسيابية فتبدو وكأن الأوزان التي تحملها سهلة، وسلسة. وكان أداؤها رائعا فكانت تستطيع الطيران بسرعة تفوق سرعة الرصاصة الخارجة من فوهة البندقية.. أسرع من سرعة الصوت. وكانت تستطيع الصعود إلى ارتفاع خمسة عشر كيلومترا فوق سطح البحر في أقل من دقيقتين. والغريب أنها كانت طائرة «قديمة» من «الجيل الثاني» من المقاتلات، أي الجيل الذي صمم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ما قبل انتشار التلفزيون. ووضعت فيها شركة «داسو» الفرنسية المصنعة للميراج كل ما توصلت إليه من تقنية متطورة آنذاك. الشاهد أن الكيان الصهيوني اشترى حوالى ست وسبعين من هذه الطائرات في منتصف الستينيات الميلادية، وأطلقوا عليها اسم «شاهاق» وهي كلمة عبرية معناها «رائد السماء» نظرا لقدراتها على الطيران السريع على ارتفاعات «شاهقة». وكانت مفخرة سلاح الطيران الإسرائيلي أو «خيل ها أفير» كما يسمونه بالعبرية. الشاهد أنها خاضت معارك ضارية ضد طائرات «الميج» الروسية التي كانت تملكها أسلحة طيران الدول العربية، وبالذات قوات الشقيقة مصر خلال حرب 1967. وبعد الحرب كان موقف فرنسا رائعا لأنها قالت للكيان الصهيوني «على مين؟» ردا على ادعاء إسرائيل أن العرب هم الذين بدأوا الحرب. أعلن الرئيس الفرنسي «تشارلز ديجول» حالة حظر بيع أسلحة لإسرائيل، وكان ذلك يشمل طائرات الميراج التي كانت تعتمد عليها قوات الكيان الصهيوني كأحدث مكونات أسطولها الجوي. وجاء رد فعل الكيان كالتالي: لنسرق اللوحات الهندسية، ونصنع الميراج في إسرائيل. بل، ودعونا نطلق عليها اسما جديدا بالكامل «يعني.. يعني» أنها تقنية إسرائيلية. وهذا ما نفذوه بالحرف. ولم تعلن تفاصيل تلك السرقة بالكامل، ولكن يبدو أن محاولات سرقة اللوحات الهندسية من المصنع الفرنسي المصنع للطائرة كانت من المستحيلات، فتم إرسال فريق إلى بلدة «ونتر تور» في سويسرا في مصنع «سولتزر» وكان أحد المقاولين الرئيسيين لشركة «داسو» المصنعة للميراج. استطاع الفريق أن يسطو على نسخة من كامل اللوحات الهندسية ويشحنها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكانت عملية صعبة لأن عدد اللوحات كان حوالى 200 ألف لوحة تفصيلية.. وخمسين ألف وثيقة تحتوي على نتائج اختبارات هندسية وتعليمات صيانة مختلفة.. وورق والمزيد من الورق.. ووزن كل تلك الجبال الورقية كان يفوق العشرة آلاف كيلوجرام. وبعد الانتهاء من السرقة، قام قطاع صناعة الطيران الإسرائيلي بتصنيع طائرة «كفير» وكانت عبارة عن نسخة طبق الأصل تقريبا من الميراج الفرنسية. اختلفت في استخدام محرك نفاث أمريكي أقوى من النسخة الأصلية. وتم تركيب بعض الأسطح الإضافية لتحسين الأداء وتم استخدام تلك الطائرات لسنوات طويلة، بل وتم تصديرها لبعض الدول ومنها كولومبيا، والأكوادور، وسيريلانكا، وبعض الدول الأخرى. أمنية لغة اليديش هي خليط من العبرية والألمانية. وإحدى أهم الكلمات التي تصف الكيان الصهيوني في تلك اللغة هي «خوتزبا» ومعناها الجرأة إلى حد الوقاحة. أتمنى أن ندرك أن قطاع صناعة الفضاء والطيران الإسرائيلي الذي يفتخر بإنجازاته، وقدراته التقنية المتميزة قد بدأ بسرقة مجموعة لوحات. «الخوتزبا» في أقوى أدوارها.. الله أعلم بكل هذه الحيل والمآرب.وهو من وراء القصد.