كلمة «ميج» ترمز للحروف الأولى من اسمي مصممي الطائرات الحربية السوفيتية وهما «أرتيم ميكويان» و«ميخائيل جيوروفيتش» وقد بدأ المكتب في تصميم وتصنيع الطائرات في بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939، إلا أن شهرته الحقيقية لم تظهر إلا مطلع الخمسينيات الميلادية عندما بدأت الاشتباكات الجوية تشتد في سماوات شرق آسيا بين الولاياتالمتحدة وكوريا. ظهرت طائرة مقاتلة مختلفة تماما عن المألوف لأنها كانت نفاثة وبتصميم جديد بالكامل وكانت «الميج 15»، ورغم أنها لم تكن الطائرة النفاثة الأولى في التاريخ، وقد سبقتها طائرات ألمانية وإنجليزية إلا أنها كانت سريعة، وجميلة، وفتاكة. وبنهاية الخمسينيات جاء الجيل الثاني من الطائرات المقاتلة النفاثة ومن أشهر الطائرات المقاتلة في مقدمة ذلك الجيل كانت طائرة «الميج 21» وكانت مختلفة عن أية طائرة أخرى في تلك الحقبة التاريخية. كانت تستطيع الطيران بسرعة تفوق سرعة الرصاصة الخارجة من فوهة المسدس.. أسرع من الصوت بخمسين في المائة تقريبا. وكانت تستطيع الصعود إلى ارتفاعات شاهقة بمعدلات «خرافية» وصلت إلى أكثر من 12 كيلومترا في الدقيقة الواحدة.. شغل ثقيل.. ولكن الأهم من كل هذا أنها كانت تعتبر مثل «كامري» المقاتلات، فكانت تكاليف شرائها وتشغيلها منخفضة نسبة إلى منافستها. والدليل على صحة هذا الكلام هو أنها أكثر طائرة مقاتلة نفاثة تم تصنيعها في تاريخ البشرية. يقدر عدد الميج 21 التي تم تصنيعها في الاتحاد السوفيتي سابقا، ودولة التشيك، والهند بأكثر من أحد عشر ألف طائرة خلال فترة امتدت من عام 1959 إلى 1985 تقريبا. ولكن قصتنا تبدأ في عام 1965 خلال جلسة فنجان قهوة بين «عازار وايزمان» الذي كان رئيسا لسلاح الطيران الإسرائيلي و«مئير عميت» وكان يحمل لقب «الرامساد» أي قائد الجواسيس.. وبالتحديد فكان رئيس «المعهد» وهو الاسم الذي يطلق على جهاز «الموساد» أي «الاستخبارات والعمليات الخاصة» التابع للكيان الصهيوني، في تلك الجلسة طلب قائد سلاح الطيران من رئيس الاستخبارات طائرة ميج 21. وأكد على ضرورة الموضوع في ضوء الصراع المتوقع مع الدول العربية الشقيقة خصوصا أن مصر وسوريا والعراق كانت تحصل على أسلحتها من الاتحاد السوفيتي آنذاك. وكان مفهوم رئيس الاستخبارات أن المطلوب هو معلومات عن الطائرة، ولم يتخيل أن المطلوب هو الطائرة نفسها. الشاهد أن الاستخبارات بدأت عملية أطلقت عليها اسم «ياهالوم» ومعناها «الألماسة» باللغة العبرية، وكانت باختصار عملية لسرقة الطائرة بأكملها، وبدأت بمحاولة بائسة في مصر عندما عرض أحد العملاء على أحد الطيارين المصريين فرفض الطلب فورا وتم إبلاغ السلطات التي ألقت القبض على العميل الإسرائيلي عام 1965. واستمرت عملية البحث والاستدراج بأساليب خبيثة جدا إلا أن الفريسة وجدت في سلاح الطيران العراقي، وتحديدا فقد وافق الطيار منير ردفا على سرقة الطائرة. كان هذا الضابط يتذمر بسبب عدم ترقيته وبسبب اعتراضه على ضرب المدنيين من الأكراد فتم اصطياده من عملاء الموساد، وتم ترتيب هروبه إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة أثناء قيادته للطائرة الميج 21. وقبلها تم تهريب أسرته وبعض من أفراد عائلته إلى فرنسا ثم إلى تل أبيب. وكان ضمن الصفقة أنه سيعيش مدى الحياة بهوية جديدة، ويحصل على مبلغ مليون دولار، وفرصة عمل في مجال الطيران. وفي تاريخ 14 أغسطس 1966 طار الملازم منير ردفا إلى الأجواء الفلسطينية المحتلة وهبط في قاعدة «حاتزور» العسكرية الإسرائيلية. وبدأت سلطات الاحتلال بتقويم الطائرة على الأرض وفي السماء، كما حضر مندوبو العديد من القوات الجوية الغربية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة لمعرفة مزايا وعيوب المقاتلة. أمنية كانت هذه الطائرة من أهم الهدايا التي حصل عليها الكيان الصهيوني لأنها فتحت أبواب أسرار عسكرية للقوات الجوية العربية قبل حرب 1967. واليوم نجد مجموعة كبيرة من الهدايا التي لم يحلم بها الصهاينة مقدمة من الخونة والمجانين حول العالم العربي من خلال صراعاتهم وحروبهم ضد شعوبهم وضد المبادئ الإنسانية. أتمنى أن نتذكر هذه الخيانات الفردية والجماعية. والله من وراء القصد.