لم تكن سفيتلانا اليكسفيتش البيلاروسية التي فازت قبل يومين بجائزة نوبل للإدب روائية أو شاعرة أو مسرحية أو حتى كاتبة قصة قصيرة على ندرة من فازوا بهذه الجائزة من كتاب القصة القصيرة، ولا تكاد سفيتلانا تصنف باعتبارها أديبة كذلك، فهي أقرب إلى أن تكون صحفية ومؤلفاتها أدخلت عند التصنيف في باب التقارير الصحفية، وبصرف النظر عن الانحيازات السياسية المتصلة بالموضوعات التي تناولتها تقارير ستيفيلانا الصحفية، فإن نوبل تتوج بمنحها نوبل فن التقارير الصحفية باعتبارها نوعا جديدا ورفيعا من أنواع الأدب مثله مثل الشعر والرواية والمسرحية والقصة القصيرة، وليس ذلك انطلاقا من لغة تلك التقارير وطابعها السردي والحواري فحسب وإنما لملامستها للهم الإنساني وقضايا الوجود الإنساني الذي بات مهددا بالحرب والخوف والقهر وكل ما يمكن أن يجعل من حياة الإنسان تجربة مريرة ويجعل من سعادة الإنسان حلما مستحيل التحقيق. التقارير الصحفية التي تتسم بأمانة تمثيل الواقع وتصويره كما هو دون حاجة إلى استلهام المخيلة أو استحضار الأساطير تؤكد أن الإنسان المعاصر بات يعيش في عالم أصبح واقعه جحيما كان لا يقوم من قبل في غير تخيلات الشعراء وتشكل وقائعه عالما لم تكن تنبئنا به غير الأساطير، التقارير الصحفية التي منحت ستيفلاتا نوبل للآداب كانت فضحا لهذا الواقع وكشفا لما هو مستتر فيه وتعرية للمارسات التي تقوم بها الأنظمة القمعية ضد مواطنيها تحت مسميات تختلف من بلد إلى بلد غير أنها تبقى جميعها ممارسات مصادرة لحرية الإنسان ومهدرة لكرامته، ستيفلانا فازت بنوبل حين كانت تقاريرها الصحفية صوت من لم يكن لهم صوت في معركة الحياة والموت التي يخوضها الإنسان في أزمنة الحرب والأنظمة القمعية ولذلك كان بيان نوبل حريصا على التنويه بتعدد الأصوات في كتابات ستيفلانا والتي تعبر جميعها عن قبر جماعي كان الاتحاد السوفيتي يمثله في حقبة من الحقب ولا تزال تمثله دول قمعية تقوم على أنقاض الإنسان فيها. بقيت مسألة أخيرة تتصل بالانحياز السياسي لنوبل والذي يؤكده فوز هذه الكاتبة البيلاروسية في هذا التوقيت الذي تشهد فيه العلاقات الغربية الروسية توترا لم تشهده منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وإذا كانت روسيا تحاول استعادة أمجاد السوفييت فإن تقارير ستيفلاتا فضح لتاريخ السوفييت، وإدانة لأي محاولة لاستعادة ذلك التاريخ. [email protected]