نحن قوم نحب أن نقول كلاما كبيرا أمام وسائل الإعلام بشرط أن لا نفعله على أرض الواقع، مثلا نحب أن يظهر للعالم الخارجي أننا نؤمن بحقوق المرأة ودورها الأساسي في نهضة المجتمع بشرط أن لا يحدث ذلك بالفعل، ولعل الشروط الأخيرة التي فرضت على مرشحات المجلس البلدي خير دليل على هذا السلوك الغرائبي، فبعد الزخم الإعلامي لمشاركة المرأة في الترشيح للمجلس البلدي وهو زخم يفوق بكثير حجم المجالس البلدية برجالها ونسائها (الافتراضيات)، تم الإعلان قبل يومين عن الشروط التي تقيد حركة المرشحات كي لا يقعن في فخ الاختلاط مع الرجال والعياذ بالله!. أهم هذه الشروط فرض غرامة قدرها 10 آلاف ريال على كل مرشحة من المرشحات اللواتي يقارب عددهن على 366 سيدة في حال تحدثها في مقرها الانتخابي بشكل مباشر مع الناخبين الرجال!، أما عن كيفية إقناع المرشحة للناخبين الرجال من أبناء دائرتها الانتخابية، فهي سهلة جدا حيث يمكنها توكيل رجل ما كي يذهب إلى الناخبين الرجال ويقول لهم: (مرشحتنا تقول كذا.. وسوف تفعل كذا.. وهي قوية الحجة.. وطيبة القلب.. إلخ)، وإذا لم تجد هذا الوكيل الذكي فيمكنها التعاقد مع إحدى الشركات المتخصصة القادرة على شرح وجهة نظرها للناخبين. هل رأيتم كم هي المسألة سهلة جدا؟.. جعلنا المرأة تشارك بقوة في الانتخابات دون أن تتفوه بكلمة واحدة.. ودعمنا وجودها دون أن تتواجد، وشجعنا حضورها الفاعل وهي غائبة.. كم نحن عباقرة؟.. وسترون في القريب العاجل كيف سيشعر العالم أجمع بالدهشة بسبب هذا الأسلوب الجديد في الانتخابات. صحيح أننا كنا بغنى عن هذه المشاركة النسائية العجيبة ولكننا أردنا فقط أن نثبت للعالم بأننا نملك حلا لكل مشكلة بغض النظر عن كون حلولنا أسوأ من مشاكلنا، ولا داعي للتأكيد بأنه في حال نجاح أي مرشحة من مرشحات البلوتوث فإنها ستواجه عوائق كبيرة في حضور جلسات المجلس البلدي أو التعامل مع البلدية باعتبار أن مسؤوليها من الرجال، وهكذا سوف تدير شؤون المدينة من المطبخ وترسل مرئياتها عبر الواتس أب إلى الوكيل الذي سينقلها إلى زملائها الرجال.. ولكن ماذا لو احترقت الكبسة وهي مشغولة بمصالح المواطنين؟.. هذا هو سؤال المرحلة الذي يجب أن نضعه في الاعتبار قبل أن نقدم على خطوتنا الكبيرة التي نريد أن نقوم بها وأقدامنا مسترخية في طشت مليء بالماء والملح!.