التجارة شطارة كما يقول أهلها في جدة، وهي كذلك، لكن بعض الشطارة كذب واستغفال وظلم للمستهلك. يعلم التجار أن المستهلك يعجبه أن يقدم له خصم من سعر السلعة التي يرغب شراءها، وأن الخصم كلما كان كبيرا كلما كان أكثر إغراء للزبون بالشراء. وكانت الخصومات في السابق تقدم للزبون حسب شطارته في المفاوضة أو (المكاسرة) و(المفاصلة)، وأحيانا حسب ظروف التاجر ورغبته في التخلص من سلعة نهاية موسم أو لزيادة المبيعات بسبب الركود. الآن ظهر نوع من الخصومات الدائمة تقدم لجميع العملاء على حد سواء، طلب خصم أو لم يفعل وفي كل وقت، والهدف هو عدم إعطاء الزبون فرصة للمفاصلة في السعر، بحيث يحصل التاجر على السعر الذي يريده بالضبط، والخصم الذي قدم للزبون ما هو إلا زيادة في سعر السلعة تم وضعها لتخصم فيما بعد لإرضاء الزبون وإسكاته، والخصم ليس حقيقيا. وقد بدأت تلك البدعة مع قطع غيار السيارات وتحديدا الأصلية المحتكرة، ومعلوم أن المحتكر يحدد سعره بنفسه وليست المنافسة وقانون العرض والطلب، ثم انتقلت العدوى في التخفيضات الوهمية الدائمة لتجارة العطور، ووصلت لتجارة البصريات، والمرض أخذ في الانتشار بشكل سريع ليشمل كل السلع التي لا تعرف قيمتها الحقيقية في السوق، إما لأنها محتكرة، أو لشدة تباينها وكثرة أصنافها وتنوع مستوياتها. وبعض البائعين وصلت بهم الجرأة في هذا الأمر أن ينتهي سعر البيع إلى أقل من 30 % من السعر الذي وضع على السلعة دون أن يشعروا بأنهم يستغفلون الزبون بهذه الطريقة ويفقدون ثقته في بضاعتهم وأسعارهم. وبعض محلات العطور لديها خصومات لا تقل عن 50 % طوال العام، فهل يعقل هذا؟؟ لو لم تكن تلك الخصومات وهمية وكاذبة. الأسعار الثابتة تلزم التاجر عند تقديم خصم سواء من تلقاء نفسه أو بشطارة زبون، أن يكون ذلك الخصم حقيقيا. هنا لا أتحدث لوزارة التجارة، بل إلى المستهلك بأن يكون واعيا لأساليب التجار وخدعهم، ولا أتوقع أن يغلب الزبون التجار، لكن أن يخفف قدر الإمكان من استغلالهم له.