اقتربت الكاميرا كثيرا من شعر كيت ميدلتون لتفضح بعض شعراتٍ بيض تسللن على حين غفلة إلى رأس الأميرة ذات الثلاثة وثلاثين عاما. ورغم انشغال الإعلام البريطاني بهذا الحدث، إلا أن الأمير ويليام وقف بجانبها في حنان، وكأنه يستعير قول الشاعر السعودي علي المنكوتة: فإذا المشيب توسدت أجفانه صدغيك سرا هاكِ بعض سنيني. يبدأ الشيب في غرس راياته في جانبي الرأس في منتصف العقد الرابع، ثم يزحف إلى المقدمة ببطء، لتتفاجأ وقد اشتعل الرأس شيبا في بداية الستينات، غير أن هذا التسلسل يبدأ متأخرا لدى أصحاب البشرة السمراء، ويهجم مبكرا في حالات الوراثة والتدخين والضغط النفسي بسبب نقص مادة الميلانين. وكما للعلماء رأي، فللشعراء آراء، كيف لا وهم العاشقون الذين ودعهم الصبا، فشاعر يرى أن شعراته البيض نجوما تنير الليل الحالك: تفاريق شيب في السواد لوامع فيا حسن ليلٍ لاح فيه نجوم. أما في نظر الآخر فهي ليست نجوما تلمع فقط، بل وبرق يسطع، ويبدو أن مبالغته تفضح عدم تصديقه لنفسه: أي ليل يبهي بغير نجومٍ أو سحابٍ يبدي بغير بروق. لكن آخرين واجهوا الشيب بالهزيمة، فهذا أبو العتاهية يذرف دمعه حزنا على سنوات الشباب التي تسربت من بين يديه، ويتوسل إليها أن تفكر بالرجوع، ليشتكي لها الشيب: ونحت على الشباب بدمع عيني فما نفع البكاء ولا النحيب فيا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب. حتى أن البحتري وهو الذي تاه غزلا ببياض شعره في كثيرٍ من أبياته، واتته الحقيقة المرة ذات أسى، فتمنى لو أن طعنة سيفٍ عاجلته قبل أن يراه. وددت بياض السيف يوم لقينني مكان بياض الشيب حل بعارضي. الطفولة بشقاوتها، والشباب باندفاعه، والمشيب بحكمته، محطات نقضي بها بعض الوقت في رحلة العمر، لكل منها حلاوته، وكما قال فرنسيس بايكون: (تكمن الشيخوخة في الروح، أكثر من الجسد)..