الكل يسعى لتحسين مستوى المعيشة، سواء المواطنين الأفراد أو الحكومات التي تقوم عادة على إدارة مرافق البلاد لتحقيق أعلى درجة من الرضا الشعبي. وقد شاعت في السنوات الأخيرة الكثير من المؤشرات الدولية التي تقيس جوانب كثيرة من حياة الشعوب وتم ترسية معايير دقيقة للانطلاق بها نحو تصنيف دولي للشعوب في كل جوانب الحياة. ومثل هذه المؤشرات تعتمد عادة على أدوات قياس معيارية متفاوتة وهو ما يمكن لهذا المعيار أن يهبط بدولة إلى الحضيض ويرفع أخرى إلى ما فوق النجوم وفي نفس المؤشر فقط بتحريك الوزن النسبي لهذه المعايير. ولعل هذا ما يفسر الصدمة التي قد تنتابنا أحيانا مع بعض التصنيفات الدولية عندما توضع المملكة في موقع متأخر جدا وغير منصف أو في موقع متقدم جدا قد لا يكون مقنعا للبعض ولا يتوافق مع المزاج الشعبي السائد حول هذا المؤشر. كنت أطلع قبل أيام على التصنيف العالمي حول «جودة الحياة» الذي تصدره مؤسسة «International living» الدولية والذي وضع المملكة في مركز متأخر جدا وغير منصف، 179 من بين 190 دولة، في الوقت الذي وضع موقع Numbeo.com المتخصص في المسوح العالمية المملكة في مرتبة متقدمة جدا ومغايرة للتصنيف الأول عندما وضع المملكة في المركز 12 عالميا وفقا لمقياس جودة الحياة لعام 2015م وتأتي بعدها الإمارات بالمرتبة ال18 وقطر بالمرتبة 20 والكويت بالمرتبة 29 وهكذا. أليس ثمة تناقض خطير بين مؤسسات كلها دولية وتحت عناوين مؤشرات متشابهة؟ ارتفع الترتيب في هذا الفهرس العالمي number بعد أن أخذ بمعاييره القوة الشرائية للعملة والمؤشر القياسي للأسعار ومدى توافر السكن بالنسبة للدخل ومستوى التلوث في الهواء والأمن والسلامة في المملكة وهو محق في هذا المركز في ظل هذه الأوزان النسبية. لكن عند الرجوع لمؤشر «جودة الحياة» في الإيكونوميست وهو مؤشر (مرجعي) نجد أن المملكة قد حلت في المرتبة 17 عالميا (2014)، متقدمة بذلك على إسبانيا والكويت وكوريا وإيطاليا وماليزيا وهونج كونج والبرازيل وتركيا وسنغافورا، وهو تصنيف قد لا يعجب البعض للأسف، لكن هذه هي الحقيقة. هنا يجب على المواطن أن يثق في مكتسباته بعيدا عن الخطاب التهكمي الذي أصبح صناعة سعودية خالصة ورائجة بامتياز وأن يتعاطى المرء بواقعية مع مكتسباته في ظل هذه التصنيفات الدولية وبموضوعية بعيدا عن الحسابات الضيقة أو الحساسيات المفرطة أحيانا والموتورة أحيانا أخرى.