كان الشاب منكبا على قراءة كتاب كان بحوزته عندما دخل عليه أحد أصدقائه المقربين وقال بنبرة اشمئزاز «تبدو مثيرا للشفقة وأنت تقرأ في هذه الكتب حتى ساعة متأخرة من الليل.. في الحياة متع أخرى سوى المطالعة!». وضع الشاب أصبعه وسط كتابه وأخذ ينظر في عيني صديقه مستفهما.. «ما لك تنظر إلي هكذا؟». «لا شيء.. قلت لك إني لا أحب اللهو معكم.. تعرف أنني لا أنتمي الى هذا العالم». «أرجوك.. سئمت من أسطوانة انتمائك لتي لوثت بها آذاننا.. على كل جئت لكي اقول لك إن الفتاة التي اعجبتك في المكتبة ستكون موجودة هناك». وكما يفاجئك أحدهم بمعرفة أمر ما حرصت على إخفائه.. بردت ملامح الشاب الذي لم يكن يتوقع أنه بهذا القدر من الشفافية.. فسأل صديقه مدعيا: «وماذا يعني أن تكون موجودة هناك؟». «خلت أن الأمر يعنيك» سأله صديقه.. «لا.. ذلك أمر لا يعنيني». قالها بثقة وقام من مقعده لكي يرد الكتاب على الرف متحاشيا النظر في عيني صديقه، والعرق يتصبب من جبينه.. لقد كشف أمره، وصديقه يعرف حقيقة ما حدث.. وهو الآن ينتظر أن يخبره كل شيء.. ها هو ذا يسأله بنبرة وقحة.. «كيف لا يعنيك أمرها وأنت تتصبب عرقا.. انظر الى وجهك في المرآة لكي تعرف.. يستطيع المرء أن يكذب على الجميع ولكن ليس على من يعرفونه جيدا». التفت بعد لحظات من الصمت.. وجلس في مكانه.. وقد قرر أن يقول كل شيء.. «جمالها يدمرني.. كيف للجمال أن يكون مدمرا الى هذا الحد، مسكونا بهذه القدرة الرهيبة على التخريب... عندما نظرت إليها لأول مرة شعرت بروحي تخرج من جسدي ببطء كان يقتلني عندما كانت تبتسم، تلك الابتسامة التي تشهد تواطؤ العينين اللامعتين المفعمتين بالحياة.. والشفتين اللتين ترتسمان على ذلك الوجه البريء كأجمل لوحة.. لم تكن إنسية على الإطلاق.. ولم تكن ملاكا كذلك.. استمع الى حفيف فستانها وهي تعبر بالقرب مني.. وأكاد أجن.. لقد كانت ساحرة.. بل شيطانة مريدة! ما يؤلمني هو أنني لا أطيق النظر إليها.. أعرف يقينا أن هذا الجمال ليس لي.. وأنني لو حصلت عليه يوما.. سأهتك هالته المضيئة». «كنت أعرف أنك تفكر بأمر ما.. لا تخش الجمال فهو ينطفئ بسرعة يا صديقي.. لا شيء يبقى على ما هو عليه سوى اسمائنا.. اجسادنا تذبل، تهرم ثم تموت لتتحول رفاتا». رد عليه «المسألة لا تتعلق بالجمال كموضوع.. عمق المأساة بالنسبة لي هو أن يعذبك شعورك بالجمال!». ارتسمت على وجه صديقه ابتسامة من يحدث نفسه بشيء وقال: «كنت أعرف بشأن هذه النزعة الرومانسية.. ما أود قوله هو أنك اذا كنت تشعر بانجذاب نحوها.. عليك ان تخبرها بذلك». رفع الشاب عينيه الكسيرتين الى وجه صديقه وقال له: «للأسف.. فعلت».