نعاني في المملكة كمعظم دول العالم من تنامي ظاهرة الاستهلاك في المجتمع، لكننا نتفوق عليهم في نسبة المستهلكين غير الراشدين. والمستهلك غير الراشد هو ذلك المستهلك الذي يسعى إلى إشباع رغباته وحاجاته دون حساب لأي أمور أخرى، فلا يفكر في مدى حاجته لتلك السلعة أو الخدمة التي يشتريها، ولا يعنيه إن كان يستطيع شراءها أو سيلجأ إلى الاقتراض من أجل الحصول عليها، ولا يلقي بالا بمناسبة السعر للسلعة أو الخدمة المقدمة له أو كان سعرها مبالغا فيه، وما إذا كانت السلعة جيدة أو رديئة، ولا يفكر في خدمات ما بعد البيع، ولا يشغل نفسه في البحث عن بدائل لتلك السلعة أو الخدمة التي قد تكون أفضل له، ثم هو بعد ذلك لا يستفيد كامل الاستفادة من تلك السلعة أو الخدمة التي حصل عليها قبل أن يتخلص منها أو يتركها، فذلك المستهلك يمكن وصفه بالمستهلك السفيه، وهو ضار لنفسه وأسرته والمجتمع، وهو كالدجاجة التي تبيض ذهبا للمنتجين والتجار، ومن المؤسف أن هذا الصنف من المستهلكين لم يعد قليلا، وقد لا أجاوز الواقع إن قلت إنهم الغالبية الآن. وهؤلاء المستهلكون غير الراشدين لا يقتصر ضررهم على أنفسهم ولا على أسرهم فقط، بل يمتد ضررهم إلى المجتمع والاقتصاد ككل، فهم من الأسباب الرئيسة لتضخم أسعار السلع والخدمات، لكثرة شرائهم بحاجة وبدون حاجة، وعدم اهتمامهم بأسعار ما يشترون، كما أنهم من مسببات تردي جودة السلع والخدمات المقدمة، لعدم اكتراثهم بجودة ما يحصلون عليه ما دام يلبي رغباتهم الآنية، وهم يمثلون النسبة الأكبر من الحاصلين على القروض الاستهلاكية، لذلك كانوا سببا في رفع كلفة وشروط القروض المقدمة من البنوك. والاستهلاك مرض وهو مرض معد جدا وشديد العداوة، لذلك فإن أعداد المستهلكين غير الراشدين في المجتمع تتزايد بنسبة كبيرة، وتأثرت بذلك الطبقة الوسطى وأخذت في التآكل بتسارع مخيف ينذر بتحول المجتمع إلى طبقتين خلال مدة وجيزة، وكوننا نستورد معظم ما نستهلك ونعتمد في خدماتنا وفي تجارة التجزئة على العمالة الوافدة، فإن تنامي استهلاك المجتمع بتلك الصورة المخيفة أدى ويؤدي إلى تسرب نسبة كبيرة من الناتج القومي إلى الخارج. والحل لهذه المشكلة الاقتصادية يكمن في التوعية والتدريب، كما أن الحلول الاقتصادية محدودة جدا وتأثيرها بطيء، والجهود المشكورة التي تبذل من بعض الجهات لتوعية المجتمع لا تزال أقل من الاحتياج بكثير، فنحن أمام معضلة تتنامى يجب التخفيف منها قدر الإمكان.