إيران دولة غير موثوق فيها، وهي محل شك وريبة تاريخيا شأنها شأن إسرائيل في ما يخص عدم احترامها للمعاهدات والقانون الدولي، ومن ثم فإن الاتفاق الموقع ليس إلا مرحلة كمون لمشروعها النووي، واستراتيجيتها هي أن تحصل عاجلا أم آجلا على سلاح نووي، لذا فالاسم الحقيقي لهذا الاتفاق بين إيران والدول الكبرى في فيينا يوليو 2015م، ما هو إلا (هدنة نووية!!). وفي السياق نفسه يأتي اتفاق الإطار بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة في أكتوبر 1994م، وانهار اتفاق الإطار كليا في أواخر سنة 2002م وانسحبت كوريا الشمالية من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وأعلنت أنها بدأت تبني قوة ردع نووية. الاتفاقية النووية الإيرانية مع الدول الكبرى محددة بمدى زمني كما جاء في فقراتها، ما يعني أن إيران ستتمكن من مواصلة أنشطتها في مجال البحوث حول أجهزة طرد مركزية أكثر تطورا والبدء بتصنيعها بعد ثماني سنوات لا سيما أجهزة من نوع (8 IR-) الأكثر قدرة بعشرة أضعاف من الأجهزة الحالية (6 IR-). كما ستخفض طهران مخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب من 10 آلاف كلغ حاليا إلى 300 كلغ على مدى 15 عاما، كما وافقت طهران على عدم بناء منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم والتوقف عن تخصيب اليورانيوم 15 سنة على الأقل، ما يعني أن المنشآت النووية الإيرانية لن تغلق أو تمس، بل ستخضع لتفتيش وكالة الطاقة من خلال نظام «الدخول الموجه»، وإجراءاته تتطلب 24 يوما، وهي كافية كي تزيل إيران كل صور خرقها للاتفاق. كما أن إعلان طرفي الاتفاقية (إيران والغرب) أنهما حققا نصرا يعني أننا أمام نتائج لمعادلة لا صفرية تم توزيع المكاسب بين طرفيها، فأما إيران فقد وافقت على الاتفاقية، لأنها تهدف إلى الخروج من أزمتها الاقتصادية نتيجة العقوبات، وأما الغرب فقد عد الاتفاقية نصرا اقتصاديا له في مجال النفط والغاز، لقد كانت الخسائر كلها من نصيب الجانب العربي! وهناك العديد من الانعكاسات الاقتصادية التي بدأت مؤشراتها قبل توقيع الاتفاقية مع الزيارات العديدة من قبل خبراء المال والأعمال لطهران، والاتفاق يضمن لإيران الإفراج عن 100 مليار دولار مجمدة، وتعويضها لخسائرها منذ عام 2012م، وقد أعلن مؤخرا عن رفع العقوبات عن بعض شركات الحرس الثوري وكان أغلبها تحت قائمة تمويل الإرهاب، كل ذلك يؤهل إيران لتنمو اقتصاديا، وليس مستبعدا أن تلتحق خلال أعوام قليلة بمجموعة العشرين. أما على مستوى الأمن الدولي فقد جاء الاتفاق مسمارا جديدا في نعش معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، سبقه مسمار دقته كوريا الشمالية، ومما سبق نخلص إلى الآتي: «واهم من يتصور أن إيران تخلت عن مشروعها النووي، مهما كانت التطمينات الغربية للدول العربية، ومن المؤكد أن العمائم السوداء ستصوغ إستراتيجية بديلة تكون قادرة على بلوغ أهدافها خلال الهدنة التي منحتها الاتفاقية، من خلال تعاونها مع حلفائها خاصة بعد أن تتوفر لها الأرصدة المالية التي ستساعدها كثيرا.