نزل رجل على قريب له بخيل فأراد أن يحرمه من ضيافته مكتفيا بالسماح له بالمبيت عنده حتى الصباح وبعد ذلك يدبر الضيف نفسه فقال له: هل تشرب قهوة أم أنك لست «كييفا».. تتعشى أم تنام خفيفا!، وحيث إن المثل يقول: إذا أردت أن تحرمه فاسأله فقد استحى الضيف من الرد على سؤال ذلك البخيل بأنه كييف وأنه يريد تناول العشاء لا أن يبيت طاويا خفيفا فاكتفى بهز رأسه علامة الإيجاب فكان ذلك كافيا لجعل صاحب البيت يفهم أن ضيفه لا يريد قهوة ولا عشاء فدخل غرفته ونام تاركا ضيفه يتضور جوعا ونفسه في كوب قهوة وهو يلوم نفسه على عدم مصارحته لمضيفه برغبته في القهوة والعشاء ولكن لات ساعة مندم! وما ذكر قد يكون مجرد حكاية ولكن عالم البخل والبخلاء يمكن أن يخرج لنا نماذج عجيبة حتى قال شاعر عربي قديم واصفا شدة بخل صديق له اسمه عيسى: يقتر عيسى على نفسه وليس بباق ولا خالد فلو يستطيع لتقتيره تنفس من منخر واحد والصورة الشعرية في البيت الثاني رائعة وغير مسبوقة لأن ذلك البخيل الوارد وصفه في البيتين بلغ من بخله أن يحاول توفير الهواء الذي جعله الله متاحا لجميع المخلوقات، رغبة من البخيل في التقتير باستخدام منخر واحد من منخري أنفه للتنفس فكيف سيكون تعامله مع الدينار والدرهم! وهناك من الآباء أو الأمهات والبعول من يبالغون في التقتير على أبنائهم وبناتهم وأسرهم وقبل ذلك على نفسه، حتى يتمنى وارثوه موته لكي ينعموا من بعده بما جمعه من ثروة. ويحكي أن بخيلا كان يقتر على أسرته إلى الحد الذي جعله عندما يشتري لهم قطعة جبن فإنه يأمر كل واحد من أسرته بتمرير قطعة الخبز تمريرا خفيفا ثم يأكل الخبز وما علق به من جبن ليأخذ البخيل القطعة ولم ينقص منها شيء ويضعها في الثلاجة ليوم آخر فلما مات اجتمعوا حول شقيقهم الأكبر الذي أوصاه والده بإدارة ثروته بعد وفاته وقالوا له: لقد مات الوالد وسوف ننعم معك بما ترك من ثروة فرد عليهم بقوله: تريدون الإسراف إن الله لا يحب المسرفين لقد كان الوالد يسمح لكم بتمرير الخبز على قطعة الجبن حتى أصبح على صفحتها أخاديد عديدة أما أنا فلن أسمح لكم إلا بتمرير قطعة الخبز في الهواء وحسبكم الاستفادة من رائحة الجبن وما يعلق منها في خبزكم الطري فوجموا أجمعين وأنشد أحدهم قول الشاعر: دعوت على عمرو فمات فسرني بليت بأقوام بكيت على عمرو! ]