أكد إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم، أن الفئات الضالة هي عصابات طاغية تنتشي بإراقة الدماء، مشيراً إلى أن من أعظم الحقوق التي يجب التجرد فيها هي دماء المسلمين، متسائلاً: بأي حق وبأي تبرير يستبيح أحدنا دم أخيه المسلم، وبأي حق وأي ذنب تزهق النفس المعصومة ويعبث بانتظام الحياة الآمنة الهانئة؟. وقال في خطبة الجمعة بالمسجد الحرام أمس: «ألا يعلم العابثون أن عصمة الدم أعلى درجات الأمن الدنيوي، فإذا ضاع فما سواه من صور الأمن أضيع، ومن أجل الدنيا يسفك الدم الحرام ومن أجل حق دنيوي زائل تزهق أرواح دون جريرة، فمتى تصحو أمتنا من غفلتها لتعي خطورة ما يدمي القلوب ويبكي العيون من مآسي إخواننا المسلمين في كل مكان، حيث تسال دماؤهم بغير حق ولا هدى ولا كتاب منير، ويستنشق القاتلون الطغيان والجبروت فيستنثرون الدماء والرقاب والأشلاء، فهم قساة القلوب غلاظ الأكباد من عصابات طاغية معتدية آباحت لنفسها أنواع الإجرام من قتل وسلب وإخلال بالأمن، فهي بنظرها من يستحق الحياة فتبيح لنفسها الانقلاب والقتل والاستهتار بالأرواح وحقوق الجوار حتى أدمنت رؤية الدماء، فلا تنتشي إلا بها، فأي خلق يحمل هؤلاء، وأي ذمة يلقون بها الحكم العدل يوم لا ينفع مال ولا بنون». وبين فضيلته أن في موسم الحج ثلاثة أنواع من العبادة هي القولية والبدنية والمالية، ولعظم شأنها كان من الحكمة أن يسبقها تجرد من عوالق الدنيا ونزع لما يكون سببا في جلب الصوارف عنها، فكان أول عمل يعمله الحاج قبل النية والتلبية أن يتجرد من لبس المخيط وهو نزع الثياب ليحل الإحرام محلها، والتجرد من الشرك هو ترك كل عبادة سوى عبادة الله وحده، والتجرد من البدعة هو ترك كل سبيل غير سبيل النبي صلى الله عليه وسلم وألا يعبد المرء ربه إلا بما شرع. وأشار إلى أن المراد في حقيقة التجرد يرجع إلى عنصرين أساسيين لا ثالث لهما أحدهما التجرد بإخلاص والآخر التجرد بالمتابعة، فإذا تحقق هذان التجردان فلا نسأل حينئذ عن حسن انتظام الناس في حياتهم القولية والعملية، لأن من تجرد لله بإخلاص ومتابعة فحري به أن يصيب الحكمة إذا نطق وأن يعدل إذا حكم وأن ينصف إذا وصف وأن يعرض عن اللغو إذا سمع وأن يملأ الله قلبه في الحكم على الآخرين بالمنطق العدلي لا العاطفي، فلا تمنعه عين الرضا عن الإقرار بالعين، كما لا تدفعه عين السخط إلى التجني والبهتان. وأكد الشيخ الشريم أنه لو تحقق هذان التجردان في الأمة لما ظهر الفساد فيها ولا كثرت الفتن ولا عمت البغضاء والشحناء أفئدة المؤمنين ولا اتسعت الفرقة بينهم ولا سفكت دماؤهم واستبيحت أموالهم وأعراضهم، ولا رأينا في الناس مقاما لما هو هماز مشاء بنميم يذلل كل سبيل لتحقيق هواه ومبتغاه ولو كان ذلك أكل الحقوق بالباطل.