مر تاريخ بلادنا الغالية بمحطات عديدة صعبة، ولكنه تخطاها بعزم ووطنية أهلنا الكرام وجابهته منعطفات مختلفة ولكنه تجاوزها بحكمة قادته الأبرار، ووضع لها الحلول اللازمة التي تخدم المساعي الجادة لولاة الأمر، أيدهم الله، في إرساء قواعد النهضة والتنمية خلال العهود المتعاقبة في شتى ضروب الحياة. فكانت النظرة الحكيمة لقادتنا الكرام أن نهضة البلاد لا يحققها إلا أبناؤها المثقفون والمتعلمون، لذا فقد أنشئت الجامعات الحكومية العملاقة، أملا في تخريج أجيال مدججة بسلاح العلم ونور المعرفة حتى تسهم في عجلة البناء. فبدأت تلك الجامعات مسيرتها العلمية المباركة، وبما أن سوق العمل تلزمه كوادر متخصصة في مجالات معينة لم تغطها الجامعات الحكومية بالصورة الكافية التي تسد رمق السوق، فقد قامت بعض الجامعات الأهلية لخدمة هذه الغاية، فبعضها تأسس لغاية وطنية وليس بقصد الربح والتجارة، فلذا تدار مشاريعها بفكر اقتصادي يعتمد في تشغيله على موارده الخاصة، مع المحافظة على رسوم مناسبة تكون في متناول الراغبين ليس هذا كل شيء. بل أقدم ولاة الأمر، حفظهم الله على تعزيز تلك الجهود المقدرة بفتح باب الابتعاث الخارجي الذي يكلف الخزينة العامة مبالغ طائلة تعد أضعاف ما يدفع للمنح الداخلية، فبعد صدور قائمة المنح الداخلية قرر كثير من أبناء الوطن المبتعثين إلغاء دراستهم خارج الوطن، حيث إن تكاليف الدراسة تقوم على نفقتهم الخاصة، وهكذا استفاد الآلاف من هذا القرار الذي رفع عنهم معاناة دفع الرسوم في الداخل أو الخارج. الآن نسمع أصواتا تنادي بضرورة وقف منح الدراسة الجامعية الداخلية وهذا التوجه يتناقض مع تطلع الشباب لدعم الدولة الذي حرصت عليه القيادة الرشيدة، ومساعيها الجادة لتوفير خدمة التعليم لكل مواطن من مواطنيها خاصة الشباب الذين ينتظر منهم إثراء الغد بالعلم الغزير والمعرفة الواسعة، إسهاما في النهضة الكبرى ومسيرة البناء التي يشهدها الوطن الغالي. فكل صوت يقترح إيقاف المنح الدراسية يجب أن لا يلتفت إليه ويجب عدم الاستماع إليه حتى ولو برر غايته بالإسهام في الترشيد بسبب انخفاض أسعار البترول أو لأي سبب آخر، وعلى أصحاب ذلك الصوت أن يعلموا أن الترشيد نهج سليم إلا في مجالي الصحة والتعليم، فهما خطان أحمران لا يمكن تخطيهما ولا يسمح بتجاوزهما، فإننا بفضل الله حققنا مكانة طيبة في مجال التعليم المتخصص، حيث يتم استقبال آلاف الخريجين سنويا من جامعات الداخل والمبتعثين العائدين من الخارج. كما أننا بحمد الله نتمتع باقتصاد قوي قادر على تحقيق التطلعات، فلماذا لا نكون مصدرا لاجتذاب الكوادر التعليمية التي تقوم بتعليم أبنائنا في الخارج لتعليمهم في الداخل، مع دعم المستثمرين في مجال التعليم بناء جامعات وأكاديميات تساعد الجامعات الحكومية في تطوير التعليم ومساعدة شركات ومؤسسات القطاع الخاص في إيجاد الكوادر السعودية المتخرجة من تخصصات متنوعة لتوظيفهم في هذه القطاعات، وذلك من خلال تقديم الدعم المادي واللوجستي المطلوب من أي مستثمر.