في تصوري أن السعادة التي نحس بها عند تحقق ما كنا نبغي لا تكون لحصولنا على ما نريد، قدر ما تكون فيما نعيشه من مشاعر سارة أثناء سعينا للحصول عليه، فما يرافق ذلك السعي من مشاعر الترقب والقلق والانتظار وتوقعات النجاح والخوف من الفشل وما شابه ذلك من المشاعر المتضاربة، هو ما يولد لدينا في النهاية الشعور بالسعادة حين نحصل على ما نريد. لكنا غالبا ما نلبث أن يأخذ الفتور يتسلل تدريجيا إلى مشاعرنا السعيدة تلك التي انبثقت داخلنا إثر حصولنا على ما كنا نبغي، فمن طبيعة المشاعر عدم الثبات، وسرعان ما يأخذ الشعور بالسعادة الذي عشناه عند بلوغ الغاية، في الذبول التدريجي بعد أن يصير الشيء الذي ولد السرور في صدورنا أمرا مألوفا مسلما به. المسلمات المألوفة هي غالبا لا تحرك في الناس الإحساس اللذيذ بالسعادة، فالمسلمات من طبيعتها أن تأتي بيسر لا يثير تحديا، ولا يتطلب مشقة، ولا يحدث ترقبا وانتظارا، وبالتالي يغلب عليها أن تكون باردة لا تحرك نبض المشاعر، فيتوجه اهتمام الناس إلى شيء آخر، شيء جديد، غير معتاد وغير مألوف، شيء يتحدى جهدهم وقدرتهم على اصطياده، شيء لا يأتي إليهم سهلا ميسورا. ألا ترى أنه حتى في الحب، تجد الانسان أحيانا يعرض عمن يتودد إليه يطلب رضاه، ويركض وراء من يشيح بوجهه عنه معلنا رفضه له! لكن هذا القول لا يفسر لنا غموض السعادة المفاجئة التي تنبثق فجأة في نفوسنا عندما نسمع خبرا يسرنا، أو نلتقي بحبيب افتقدنا رؤيته زمنا طويلا، أو نتلقى ثناء نشعر بصدقه، أو غير ذلك من الحالات التي تبعث الإحساس بالسعادة المفاجئة !! الذين ينسبون الشعور بالسعادة إلى تدفق هرمونات محددة تفرزها بعض الغدد في جسم الإنسان مثل هرمون السيروتونين والدوبامين والاندروفين أو غيرها، يجعلون السعادة عملية فسيولوجية بحتة لا تخرج عن أن تكون هرمونات تتدفق في الدم، ومتى شح تدفقها تسبب ذلك في ظهور مشاعر الضيق والاكتئاب والخمول وغيرها من الأعراض التي يعاني منها الشاكون من التعاسة. وهؤلاء الذين يربطون السعادة بتدفق الهرمونات، لا يعنيهم كثيرا البحث عن مفهوم السعادة التي يتحدثون عنها، فما يقولونه عن تأثير الهرمونات على مشاعر الإنسان هو أقرب إلى أن يكون مرتبطا بمشاعر البهجة والرضا، فهل السعادة تعني ذلك؟ هل السعادة تعني أن نكون مبتهجين راضين، والشقاوة تعني أن نكون نكدين مستائين؟ أم أن السعادة شيء آخر مختلف؟.