صدر حديثا عن مطابع ( شاكر ميديا) بمدينة (آخن) الألمانية ديوان شعر (هذا أنا ) للدكتور/ سرجون كرم بطبعته الأولى عام2014م. ويضم هذا الديوان مجموعة من النصوص الشعرية التي قام الشاعر بكتابتها باللغة العربية الى جانب ترجمتها ل(اللغة الألمانية) من قبل الأستاذ / سيبستيان هاينه المدرس بجامعة (بون) وأحد المختصين المهتمين بترجمة الآداب من لغاتها الأصلية الى اللغات الأخرى. وأبرز ما تمتاز به لغة الديوان هو اتسامها بطابع (الانزياح اللغوي) للمفردات ومدلولاتها عن المعنى الأصلي الذي وضعت له أساسا. والانزياح – لغة - هو الانتقال او الانحراف - لكنه – كمصطلح في النقد الأدبي الحديث- يعني – ببساطة – توظيف مدلول المفردة توظيفا متوسعا فيه، لتكون ذات معنى جديد، أشمل و أعم من معناها الأصلي ذي الخصوصية المحددة، مع وجود نوع من العلاقة الرابطة بين المعنى الأصلي والمعنى الجديد أو المستحدث لهذه المفردة، كما سبق أن عرفه لنا رواد (المدرسة الأسلوبية) احدى أكبر مدارس النقد العالمي في العصر الحديث. ففي نص بعنوان مسرحية) يقول الشاعر: (نامت طواحين الكلام على جبين لا ينام من الكآبة أغلقت روحي تجاويف القيامة كنت أعرف أنني لا لن أفك متاهة الاسراف في وجع البقاء ولا تضاريس الدنو من الغياب).الديوان: ص34 وفي قوله هنا ( تضاريس الدنو...) انزياح للمفردة المتوقع ورودها، وهي (الأرض ) وحلول للمفردة غير المتوقع ورودها، او اقترانها ب ( الأرض) لعلاقة بينهما مكانها، ألا وهي ( الدنو ) وذلك لكون (التضاريس) كلمة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالأرض من حيث المعنى والمدلول، وليست مرتبطة ب (الدنو). وهذا النوع من الانزياح هو ما يطلق عليه (الأسلوبيون) اسم (الانزياح الاضافي). وفي نص آخر تحت عنوان (تأملات في المثلث الكنطي) يأتي قول الشاعر: ( أترى كيف يمر الغيب لا يلقي على شهوتنا طعما فلا ينفعل الفعل ولا هذا الزمان الآسن).الديوان: ص56. والانزياح هنا يتمثل لنا في تحول (المعنوي) ألا وهو (الزمان) الى كائن (حسي ) له لون وطعم ورائحة، وهو (الماء الآسن) مع العلم أن الصفة (آسن) مفردة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالماء، وتغير حالته من الصفاء الى العكر. وهذا هو المعنى الحرفي لهذه الصفة، وليست مرتبطة بالزمان. ولكن موقع المفردة هنا من الجملة، ووقوعها بعد مفردة الزمان مباشرة يوحي بتغير الزمان من حالة الى أخرى، مثل تلك التغيرات التي تطرأ على الماء، فيتحول من حالته النقية الى حالة عكرة. وهذا ما يعرف لدى (الأسلوبيين) ب (لانزياح الدلالي)، وهو متعلق بانحراف الصفات عن موصوفاتها. ان هذا الديوان غني جدا بمثل هذه الانزياحات، للمفردات والجمل والصور والتعابير، ذات الدلالات الواسعة، التي تنبئ عن امتلاك شاعره لمقدرة شعرية ولغوية وخيالية فائقة، تسبر أغوار اللغة، وكأنها تعيد اكتشافها من جديد.