نولد متسربلين بالنقاء، تفوح من أرواحنا وأجسادنا تلك الرائحة الخاصة التي لا تكون إلا لجسد وروح طفل وليد صنعتها خلطة سرية لا يمكن لبشر أن يصنعها. تتغير هذه الرائحة تدريجيا لكنها تبقى عذبة وخاصة حتى نرحل من الطفولة باتجاه المراهقة والشباب لتبدأ رائحة أخرى، رائحة المعاناة والتعب والاعتصار والحريق. ذلك الطفل ذو الرائحة الخاصة يصبح لاحقا برائحة أخرى مختلفة جدا عندما يبدأ صرير أعصابه يتعالى مع كل يوم يضاف إلى عمره. الحريق الذي يشب في خلايا عقله وجسده يجعل رائحته كرائحة عادم لآلة لا تتوقف عن العمل. تخرج روحه ورائحته كل يوم لاسيما في أوطاننا العربية التي تسير بالبركة وتجبر الإنسان على الرضوخ لكل المفارقات العجيبة بحثا عن مستقبل ممكن لبقية حياته. رائحته تستمر مثل «الشياط» كل لحظة وهو يبحث عن تعليم معقول ووظيفة وأحلام بسيطة مشروعة لا تتحقق له إلا بعد أن تصل رائحة حريقه إلى السماء. وعندما يغادر الحياة بعد عمر يقصر أو يطول يلحقه أهله بمواراته الثرى قبل أن تأتي الرائحة الأخرى، رائحة الموت، رائحة الجثة وليس الإنسان الحي الذي كانت الدماء تضخ في عروقه ويستطيع رش ما شاء من عطر على جسده عندما لا يطيق رائحته. لكن المؤلم عندما لا يتاح لهذا السيناريو أن يكتمل أقل القليل منه. الموجع أن تفوح رائحة الموت، رائحة الجثة من طفلة في عقدها الأول، وهي ملقاة على سرير الإهمال والناس يمشون حولها في مكان كان يفترض أن يساعدها على الحياة. قاتل أن تفوح «زهرة» برائحة التعفن بين الأحياء. إنهم وحدهم المتعفنون وليس هي. تلك كانت رائحتهم وليست رائحتها. زهرة طفلة مسيجة بالطهر والبراءة، وحتى لو كانت ماتت قبل وصولها المستشفى كان لا بد من احترام قداسة الطفولة. كان لا بد من تقديس الإنسان الذي كرمه الله حيا وميتا. لم تكن في صحراء خالية أو مفازة خاوية من البشر، بل كانت في مستشفى لكنه أهملها خمسة أيام حتى تصاعدت رائحتها تلعن التسيب والإهمال والاستهتار. كيف ستسامحكم زهرة؟. كيف ستسامحكم رائحة زهرة ؟؟. [email protected]