صديقي حصل على الدكتوراه من إحدى الجامعات العالمية مبتعثا من وزارة الصحة، هو ملتزم وحريص على عمله، بعد عودته من البعثة واجه الكثير من المنغصات من زملائه والمسؤولين في وزارة الصحة فلم يرق ولم يحصل على وضعه الطبيعي حتى استقال دون الحصول على أي من مستحقاته المالية وانضم لإحدى الجامعات الحكومية استاذا مساعدا. يحكي لي أن وزارة الصحة استعانت به بعد أشهر قليلة من (هروبه القهري) من الوزارة بعد تغيير وزاري لأن تخصصه نادر وهناك احتياج ماس له، والمفارقة العجيبة أن وزارة الصحة منحته خمسة أضعاف راتبه الذي كان يتقاضاه لديها على بند الإعارة وكلف رئيسا طبيا لأحد الأقسام الطبية الهامة، قلت له يا صديقي إن زامر الحي لا يطرب وقصتك مشابهة لعشرات الكفاءات الممتازة الذين تعج بهم الوزارة في كافة المجالات ولكن لم يفتش عنهم بل أخذوا بجريرة البعض من أبناء الوزارة الذين أساؤوا لأنفسهم أولا ثم لسمعة الوزارة، حتى استقطبت الوزارة كفاءات أخرى من بعض القطاعات الحكومية الأخرى في مناصب عليا بالوزارة وفي قطاعاتها المختلفة ومنحتهم ببذخ رواتب فلكية في نظام التشغيل الذاتي تصل إلى 5 آلاف ريال في اليوم الواحد ومميزات أخرى عديدة!. عندما ذكرت هذا المبلغ الكبير لمدير عام سابق لإحدى مديريات الشؤون الصحية في المملكة خدم الوطن أكثر من 40 عاما قال نصا (هل هذا يعقل وهل هو مخترع أو قائم على صرح اقتصادي عظيم أو ثغر يحمي الوطن)!!. اللهم لا حسد، ولكن ماهي الخدمات الاستثنائية وغير الطبيعية التي يقدمها مسؤول معار من جهة حكومية للقيام بعمل إداري يستلم راتبا من عمله الأساسي ثم راتب الإعارة ليصل راتبه فوق المائتي ألف ريال لا يستطيع مسؤول آخر تقديمها من منسوبي الصحة يعمل في منصب مشابه له، ويتقاضى شهريا راتبه المعتاد فقط وحتى بدون بدل إشراف!. أتوقع لو منح المسؤول الثاني ربع ما يتقاضاه المسؤول الأول لعمل 14 ساعة يوميا 7 أيام في الأسبوع!!. وزير الصحة وقع قبل أيام اتفاقية مع وزير التعليم العالي لتشغيل مستشفيي شرق وشمال جدة المتعثرين بكفاءات من جامعتي الملك عبد العزيز وجدة بنظام الدوام الجزئي، هي اتفاقية لا بأس بها تخدم الطرفين كون أن كلية طب جدة ليس لها بعد مستشفى جامعي، ولكن في المقابل لماذا يلزم من أراد أن يعمل بهذين المستشفيين من منسوبي الوزارة أن يكون على بند التشغيل الذاتي ويستقيل من نظام الخدمة المدنية، وهل لو وفرت بعض الامتيازات والاستثناءات لمنسوبي وزارة الصحة كان سيتردد أحد في العمل بهما!. وزارة الصحة لن تدار إلا من أبنائها فهم أكثر الناس دراية بمشكلاتها وهم الذين قدموا الرعاية الصحية للشريحة الأكبر من المواطنين على مر السنين، وشهدت شخصيا حضور خبراء (عالميين) استعانت بهم الوزارة العام الماضي بملايين الريالات، فكانوا يقابلون الموظفين والمسؤولين ويستمعون لآرائهم واقتراحاتهم ثم يقومون بإعادة صياغتها وتقديمها بطريقة علمية يقدر أي باحث مخضرم أن يقوم بها وتجير كل هذه المعلومات لصالحهم حصريا!. يجب أن تستفيد الوزارة من أبنائها وتبحث عن الكفاءات الإدارية والفنية ويمكنوا بالأعمال فوزارة يعمل بها أكثر من مائة ألف لن تغلب أن تشغل عشرة مستشفيات متعثرة وليس مستشفيين، إذا أحسن توظيف الكوادر ومنحوا المميزات العادلة وكثفت الرقابة وحورب الفساد والمحسوبية..