لم أتوقع أن تتحول سهام أسئلتي المتواضعة للدكتورة سامية العمودي الناجية من مرض سرطان الثدي والناشطة العالمية في هذا المجال إلى أجوبة مليئة بالألغام وعلامات الاستفهام. فأنا أمام امرأة تصارع في أكثر من معركة وتطرح رؤيتها الواثقة دون سابق إنذار. قالت بصراحة: لو كانت مياه زمزم كافية لعلاج السرطان لحصلنا على براءة اختراع، وطالبت بتفعيل أنظمة التمكين الطبي التي تعطي الحق للمرأة في اتخاذ قراراتها الطبية دون ربطها بموافقة الزوج، ودعت إلى إعادة النظر في مقدار نفقة المطلقة وأبنائها وتقنين ربط تصاريح سفرهم بوالدهم. الدكتورة العمودي دافعت بقوة عن تجربة الاختلاط في دراسة الطب ووصفتها بالناجحة واستغربت دون شماتة غرابة موقف الرافضين لها الذين يقاتلون على شاطىء آخر بحثا عن واسطة لقبول بناتهم بكلية الطب. حوار تغلب عليه العاصفة أكثر من العاطفة التي دفعتني لإجرائه بعد عودة السرطان للمرة الثانية لجسد طبيبة تعالج الناس وهي عليلة وصابرة ومحتسبة. • بداية، ما الذي انتهت إليه إصابتك الثانية حتى الآن؟ •• الحمد لله على كل حال، فأنا بخير وملتزمة بالمتابعة حرفيا، خصوصا أنني لن أحتاج للعلاج الكيماوي بعد استئصال الثديين، وهذا كرم كبير من ربنا. • هل شعرت في لحظة إصابتك بالمرض أنه ينطبق عليك القول: طبيب يداوي الناس وهو عليل؟ •• نعم، شعرت بهذا الأمر منذ الإصابة الأولى، وأعترف بأنني لم أرتب أولوياتي بشكل سليم، فكنت أضع أولادي في المقدمة ثم بيتي وعملي، أما صحتي فكانت في آخر القائمة، ليس من ناحية المعلومة لفهمي لضرورة الفحص المبكر، ولكنه لم تكن أولوية بالنسبة لي حتى فوجئت بالأمر وتعاملت معه مؤمنة بأنه قضاء وقدر ورسالة من الله لي. • ما مدى صحة ما قيل من أن سبب إصابتك بالسرطان وراثي؟ •• وهناك من قال إنها العين أيضا، لكن الصحيح أن نسبة الإصابة بسرطان الثدي وراثيا لا تتجاوز 5% فقط، فيما ال95% الأخرى لا علاقة لها بالوراثة مطلقا، وهذه معلومة يجهلها الكثير من الناس. أما العين فأنا من الناس التي تؤمن أنها حق، لكنني لا أعلق أموري كلها عليها، وقد قال لي أحد كبار الدعاة في رسالة بعث بها إلي إن الإصابة بالسرطان لا علاقة لها بالعين. العلاج الشعبي • ألم تجربي بعد إصابتك الأولى بالسرطان ثم إصابتك الثانية الأدوية الشعبية مثل التداوي بالعسل وشرب زمزم والخضوع للقراءة من قبل بعض المعالجين بالقرآن؟ •• بدون شك كل ما قلته عرض علي بعد إصابتي الأولى والثانية، وجاءتني أرقام لرقاة في أكثر من مدينة بالمملكة، وعرضت علي الحبة السوداء والعسل، وشرب ماء زمزم بما له من قدسية، ولكن دعني أفترض أن ماء زمزم يشفي من السرطان؛ ألم نكن نستحق براءة اختراع له ومن ثم نعبئه في عبوات ونوزعه لعلاج مرضى السرطان في العالم بدلا من هذه البحوث التي يخسرون فيها المليارات والوقت. • «زمزم شفاء لما شرب له» يا دكتورة؟ •• هذا صحيح، ولكن النية أن توكل أمرك لله بأنه هو الشافي وليس الماء، وأنا مؤمنة بأن الله كتب علي هذا الأمر لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه، وكلما رضيت يزيدك الله رضى، وفي آخر الأمر لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. دمعتي عزيزة • رغم حصولك على جائزة وزارة الخارجية الأمريكية للمرأة الشجاعة لجهودك الكبيرة في التوعية بمرض سرطان الثدي عام 2007م، هل شعرت للحظة بالضعف في داخلك عندما تنفردين بنفسك داخل البيت؟ •• الله وحده يعلم ماذا يحدث لي عندما تقفل علي جدران غرفتي الأربعة؟ لقد مررت بكل لحظات الحزن والهم والضعف والانكسار، لكن الغريب أن دمعتي عزيزة وأنا نادرا ما أبكي لدرجة أنه لم تسقط مني دمعة بعد إصابتي في المرتين الأولى والثانية. • ما أصعب مراحل علاجك في الإصابتين؟ •• كل مراحل العلاج صعبة، فالكيماوي قاسٍ واستئصال الثديين كجراحة أتعبني، خصوصا أن لدي «ضغط وسكر»، ولكنها فترة صعبة وانتهت والحمد لله. • هل كتبت وصيتك بعد إصابتك بالمرض؟ •• نعم، كتبتها ودائما أجددها وأقول ذلك لأولادي. • تجددين ماذا؟ •• هناك أشياء عامة وأشياء خاصة وعلى رأسها أوصيهم بأمي وأوصي إسراء على عبدالله، وعبدالله على إسراء ، وأقول لها دائما: أنا لم أترك لكم مالا بقدر ما تركت لكم السمعة الطيبة ومحبة الناس وشوية علم تستطيعون أن تستفيدوا منه، وقد وضعته على هاردسك فيه كل ما تعلمته وعلمته في حياتي. • لكن المعروف أنك لم تخططي لتكوني طبيبة عندما كنت طالبة بالثانوية العامة؟ •• عندما كنت في الثانوية العامة لم يكن هناك كلية للطب في جدة، وكان المتاح أن نعمل مدرسات، أو نلتحق بأقسام وأعمال محدودة، ومن كان حظها كبيرا سمح لها أهلها بالسفر والابتعاث على حسابهم الخاص، فأنا لم أكن منهم، وأهلي لا يقبلون فكرة الدراسة في الخارج مطلقا؛ لذلك كانت أحلامي مقصورة على دخول مجال التعليم، ولعل من لطائف القدر أن زميلاتي أمل وسامية وهما أختان من الأردن الشقيقة كانتا تجلسان معي وتحكيان عن والدهما الذي وعدهما بالسفر إلى القاهرة بعد حصولهما على الثانوية العامة؛ لتدرس أمل الطب وسامية الهندسة، فكنت أستمع لهما وأعلم أنني لست مثلهما، لكن تقدير الرحمن يجعلنا نتعلم كم لدينا قصر نظر في أمور حياتنا، إذ يشاء الله أن يصدر قرار من الملك فيصل رحمه الله بإنشاء كلية للطب في جدة في سنة تخرجنا من الثانوية، ولأن والد أمل وسامية رحمه الله كان يعمل بالجامعة وعلى اطلاع بإنشاء الكلية، فكان يقول لنا ضاحكا: حجزت لكن ثلاثة مقاعد، ويشاء الله أن يصدر قرار بأن يكون الالتحاق بالكلية قاصرا على السعوديات فقط، فالتحقت أنا بكلية الطب بمجموع 93% وكنت ثاني أو ثالث أعلى نسبة قبول، أما سامية فتزوجت من طبيب ورحلت معه إلى الكويت، فيما لم تتمكن أمل من دخول كلية الطب فذهبت إلى الأردن لتلتحق بكلية العلوم هناك. • لهذا السبب قلت إن الابتعاث لدراسة الطب ليس ضرورة؟ •• أنا صناعة محلية وأعتز بذلك كثيرا لدرجة أنني لم أسافر لخارج المملكة إلا بعد حصولي على جائزة (وزارة الخارجية الأمريكية العالمية لشجاعة المرأة عام 2007م) نظير قيامي بكسر حاجز الصمت والتوعية بقضية سرطان الثدي في الشرق الأوسط، وكانوا يسألونني حتى عن لغتي الإنجليزية التي أجدتها بإتقان والحمد لله هنا في المملكة، وأعتقد أن الإنسان إذا شغل وقته فيما يفيد يستطيع أن يتجاوز العقبات، وأتذكر أنني دخلت كلية الطب بإنجليزية الثانوية العادية، لكنني حولت هوايتي في قراءة الكتب الأدبية لقراءة القصص الإنجليزية وهذا ساعدني كثيرا، ولذلك لكي تنجح كطبيب إذا لم توفق في الحصول على بعثة، فهذا لا يعني نهاية الكون وأنك لن تكون طبيبا ناجحا في بلدك، لكن إذا جاءت لك الفرصة في الاستزادة من خبرات الدول الأخرى، فلا شك أنها مكتسبات تضيف لخبراتك الكثير، ولذلك أقول إن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي هو أكبر نقلة حدثت في تاريخنا المعاصر للشباب والشابات، ومن جاءته الفرصة فلا يفرط فيها. • ما خلفية تبنيك لموضوع «التمكين الطبي» ودفاعك عنه كناشطة حقوقية لا كطبيبة وامرأة؟ •• منذ إصابتي بسرطان الثدي توقفت عن عملي كطبيبة وركزت قضيتي كلها في التوعية بهذا المرض مع احتفاظي بجانب التدريس الأكاديمي لتخصص النساء والولادة لطلبة وطالبات كلية الطب في المرحلتين الخامسة والسادسة من دراستهم، أما موضوع التمكين الطبي فقد لاحظت على مدى 34 عاما من العمل كطبيبة توليد أن الوعي بالثقافة الحقوقية للمرأة في بلادنا ضعيف جدا، حيث توجد أنظمة صحية مستندة على قرارات شرعية مدروسة وصادرة من هيئة كبار العلماء، وبنت وزارة الصحة تقاريرها وتعاميمها عليها، خصوصا ما يتعلق بأخذ إذن المريض، حيث نشرت حادثة وفاة لامرأة في الرياض عام 1404 ه كانت قد ولدت مرتين قبل ذلك ولادة طبيعية، لكن جاء جنينها في الولادة الثالثة بالعرض مما تطلب معه إجراء عملية قيصرية، فقام الطبيب بعدة محاولات امتدت لأكثر من ثلاث ساعات لإقناع الزوج بالموافقة على إجراء العملية وهو مصر على الرفض، وحدث للأسف ما نخشاه كأطباء في هذه الساعات الثلاث حدث مع الطلق ووجود الجنين بالعرض انفجار في الرحم أدى إلى نزيف ووفاة الجنين ثم وفاة الأم بعد ذلك نتيجة مضاعفات. طبعا القرار بتوقيع الزوجة البالغة العاقلة موجود في وزارة الصحة منذ ذلك التاريخ، خصوصا للعمليات الجراحية (زائدة مرارة استئصال ثدي علاج كيماوي أو أي علاجات أخرى)، وهي فقط التي تملك الحق في الموافقة. وقد وجدت أن هذا القرار فيه من الجهل والتجاهل الشيء الكثير، واكتشفت أن بعض الأطباء لا يعرف عنه شيئا، كما أن النساء لا يعرفن حقوقهن، فتجد المرأة لحظة الحاجة لإجراء عملية تقول: اسألوا زوجي، وهذا الأمر يضيع وقتا ثمينا على الأمهات والأجنة، خصوصا عندما يتعذر الاتصال بكثير من الأزواج لأخذ موافقتهم، والخطير في الموضوع أن هذه المرأة لو حصل لها شيء وقام أهلها برفع دعوى على الطبيب فسيكسبونها بكل تأكيد، هذا الأمر دفعني لتبني حملة التمكين الصحي لنشر الوعي القانوني بين النساء بالأنظمة الموجودة، وأصبحت أشدد عليها في أكثر من اتجاه، بدءا من طلبة وطالبات كلية الطب، مرورا بالأطباء والطبيبات، وانتهاء بالنساء وأزواجهم، وقد بدأت أنظمة بعض المستشفيات تتجاوب مع هذا الأمر، ولكن ما زال هناك البعض الآخر من المستشفيات وبعض الأطباء يتحاشون الاصطدام مع أهل المريضة، وكحل وسط لهذه الإشكالية يمكن أن توقع الزوجة بجوار توقيع زوجها ليتحاشى الطبيب الوقوع في حرج، ويبقى في رأيي نشر الوعي هو الأهم، وأتذكر أن إحدى الأخوات قالت لي إن التمكين مصطلح تغريبي، وهو من مصطلحات الأممالمتحدة، فأخبرتها أن هذا غير صحيح، فالتمكين في اللغة هو تذليل الصعاب وتمهيد الطريق، وهو مصطلح قرآني في سورة يوسف (إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا). • ما دامت الأنظمة موجودة فلماذا لا تفعل؟ •• هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة، وأعتقد أن جزءا منه له علاقة بجهل أهمية الموضوع، وجزءا آخر له علاقة بتجاهل البعض لهذه الأنظمة لتهميشه للمرأة، حتى من بعض الأطباء الذين ينظرون للمرأة على أنها قاصر وقد يحدث هذا بغرض أو بدون غرض، أضف لذلك أن الكثير من الأنظمة تحفظ في الأدراج ولا يتم تفعيلها. • مثل حقوق مرضى السرطان؟ •• حقوق المرضى التفتت إليها وزارة الصحة أخيرا وبدأوا يكتبون وثيقة حقوق المرضى، ولم يكن فيها شيء عن مرضى السرطان، ولكن بدأت تحوي الوثيقة الكثير من حقوق مرضى السرطان، لكن الأهم ليس كتابتها وإنما تفعيلها على أرض الواقع. فشل الزواج • دكتورة.. هل كان بحثك عن زوج تتوفر فيه مواصفات والدك الذي فقدته في سن مبكرة بعد إصابته بالسرطان سببا في فشل زواجك أكثر من مرة؟ •• من الطبيعي أن البنت أقرب لأبيها دائما، وفي المقابل تجد الولد أقرب إلى أمه، ومن ثم فالبحث عن جزئية الحنان في الزوج لمن تحرم من أبيها وهي صغيرة فالعاطفة تجعلها تبحث عن الحنان في الزوج بالتأكيد لكون هذه العلاقة الشرعية الأقرب للواقع، وإلا فخالي كان بمنزلة والدي فعلا وهو الذي رباني وجمعت بيني وبينه علاقة صداقة ومحبة كبيرة، لكن يظل للأب مكانته التي يصعب تعويضها، أما الزواج فهو علاقة شراكة لا بد أن تكون إلى حد ما محسوبة، وقد تكون اختياراتنا خاطئة أحيانا لسبب أو لآخر، وقد يكون للنصيب دور في عدم نجاح علاقة رغم الأخذ بالأسباب، وأحيانا قد ينعدم التوافق ولاحظ أن بيئتنا لا تساعد على اكتشاف هذا الأمر بشكل كبير. • هناك من يطيلون عملية الملكة لأجل اكتشاف هذا الأمر؟ •• حتى لو طالت الملكة، لا تكتشف المرأة حقيقة الزوج إلا عندما يقفل عليهما الباب، فهذه سنة الله في خلقه. وفي رأيي المتواضع فإن العلاقة التي لا تعطي سعادة للطرفين لا داعي لها، خصوصا عندما لا يكون هناك أطفال، ولذلك فالطلاق يكون فيه مصلحة كبيرة للطرفين، خصوصا إذا جاء بطريقة محترمة وحضارية: إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان وهي منزلة أعلى من المعروف، فهذا أفضل بكثير من زواج فاشل يدفع ثمنه الأطفال ويحرم الأب والأم السعادة الحقيقية من زواجهما. • هل الزواج من زميل مهنة يمكن أن يكون ناجحا في نظرك؟ •• الزواج علاقة ذات خصوصية ليس فيها قواعد عامة، فيمكن أن يتزوج اثنان من نفس المهنة وينجحا ويمكن أن يحدث العكس، فالمهنة ليس لها علاقة بنجاح الزواج أو فشله. • وهل كان زواجك الأول من زميل مهنة طبيب سببا لفشل تجربتك الأولى؟ •• عشت معه خمس سنوات صعبة؛ لأنني لم أستطع الإنجاب رغم أنني طرقت كل الأبواب لدرجة أن العلاجات المنشطة أدخلتني في مضاعفات حادة تم تنويمي بسببها 11 يوما في العناية المركزة فخرجت من المستشفى وأنا أحمل قراري بطلب الطلاق. • الغريب أنك دخلت تجربة ثانية سريعا بعد طلاقك الأول ولم تنجح أيضا؟ •• بصراحة، كان قرارا خاطئا مني، فقد خرجت من التجربة الأولى مجروحة الخاطر، وفي هذه الفترة تقدم لي شاب فوافقت دون تفكير وقد كان لكبريائي المجروح دور في قبوله للرد على كلمة (عاقر)، وكما يقولون وقت الألم تختفي الحسابات، ورغم معارضة الجميع تم الزواج وكان الطلاق أسرع منه بعد أسابيع، واكتشفت أنني دخلت تجربة متسرعة لدرجة أن بعض زميلاتي لم يعرفن أنني تزوجت وتطلقت، لكنني بعد فترة دخلت تجربة ثالثة فأكرمني الله فيها بإنجاب (عبدالله وإسراء)، بعد أن بدأت العلاج بتقنية أطفال الأنابيب على يد طبيب العقم الشهير الدكتور سمير عباس، لكن الأمور لم تستقم على حالها مع والدهم بعد عدة سنوات فكان الطلاق، وشاء الله أن يصاب والد أبنائي بالسرطان فعرفت من خلاله نوعا من الحب يسمونه (الإحسان) ووجدتني وولدي بجانب أبيهما في مرضه أحاول أن أرقى وأرتقي بهما ليعرفا حلاوة الإحسان حتى توفاه الله. الزواج المبكر • لهذا السبب تتخذين موقفا معارضا من الزواج المبكر للفتيان والفتيات؟ •• لا.. أبدا، فموقفي معروف بمعارضة الزواج المبكر جدا للأطفال القصر فقط لما له من مشاكل طبية أدركها كطبيبة من النواحي النفسية والعضوية والحمل والولادة وله مشاكل بعيدة الأمد كحرمان الطفلة من التعليم وغيرها، ودعنا نفترض حقيقة أن زواج الرسول عليه السلام من السيدة عائشة وهي في التاسعة من العمر، فإن هذه خصوصية للنبي دون غيره، أضف لذلك أن هناك أحاديث بأنها لم تصبح زوجة فعلية له إلا بعد بلوغها الثامنة عشرة من العمر. •بماذا خرجت من تجاربك الثلاث يا دكتورة؟ •• بأشياء كثيرة، أولها أنه ليس عيبا أو خطيئة أن نفشل في الزواج مرة أو أكثر، لكن المهم أن ندرك أن الاختيار الصحيح هو الأساس لتجنب إرهاق المشاعر، وثانيها أن الشراكة في الحياة قد لا تنفع معها الشراكة في العمل والمال ومهما كانت طبيعة العلاقة إلا أن هذه الشراكة لا تخدم علاقة الزواج، وأحمد الله أنني لم أتعرض لهذا الموقف، لكن ما مررت به في حياتي من قصص أوصلتني في هذا العمر لأن أقول: لا لأي توكيل عام حتى لو كان لشريك العمر حتى يظل حب العمر، وثالثها أمنية بأن يعاد النظر في موضوع النفقة لأبناء المطلقة، فالمبالغ التي تصرف لنفقة الأم والأبناء بعيدة جدا عن المنطق وظروف الحياة التي نعيشها حاليا، والسؤال: على ماذا اعتمد تحديد مبلغ النفقة الضئيل الذي لا يعيل خادمة منزلية، وأنا لا أتحدث من حاجة فقد أغناني الله وأكرمني برعاية ولدي حتى كبرا، لكن هناك من هو بأمس الحاجة ليعيش حياة كريمة، وقس على ذلك موضوع تصاريح السفر لأبنائي، فقد عانيت من هذا الموضوع كثيرا، ولولا وقفة سمو الأميرة العنود بنت عبدالله آل سعود حرم الأمير خالد الفيصل حيث جمعنا سموه مع والد أبنائي في لقاء أسري رائع واستطعنا أن نحصل على موافقة أبيهما رحمه الله على أن يكون لكل سفرة شكل منفرد، لكن السؤال قائم أيضا: وماذا عن بقية النساء اللاتي يعانين من هذا الموضوع. وأنا لا أخفيك أنني متفائلة بزوال الكثير من هذه القيود، وأنتظر بكل الأمل عاصفة وردية تعيد الكثير من حقوق المرأة المسلوبة بسبب تسلط الرجال وتماطلهم في تنفيذ الأحكام بما يحفظ لها كرامتها وعزتها إن شاء الله. • كررت الحديث والكتابة عن موضوع الجنسية السعودية داخل الأسرة الواحدة.. لماذا؟ •• أنا حضرمية الأصل، والحضارم طوال تاريخهم في المملكة يشكلون نسيجا خاصا من شعب هذه البلاد المباركة، ومنذ أن وعيت على هذه الدنيا لا أعرف لي بلدا إلا المملكة، ووالدي رحمه الله غادر حضرموت ولم يتجاوز السابعة من عمره، فلم يكن يعي الأرض التي ولد فيها، وحدثت الإشكالية عندما توفي رحمه الله ونحن صغار، فتعثرت الكثير من أمورنا، خصوصا فيما يتعلق بالمدرسة، وكانت أمي حريصة على أن نواصل تعليمنا أنا وأختي (سميرة)، ومن فضل الله علينا أن منحنا الجنسية؛ لأن والدتي سعودية، وهذا ساعدنا كثيرا في حياتنا، وهناك الكثير من الأسر المرتبطة بعلاقات مصاهرة ورحم يعاني أبناؤها من هذا الأمر ما بين سعوديين وغير سعوديين، وثقتي أن ولاة أمر هذه البلاد المباركة حريصون على تسهيل أمورهم إن شاء الله تعالى، خصوصا أن الكثير منهم لا يعرف له بلدا منذ ولادته إلا هذه البلاد. تجربة الاختلاط • هناك من ينتقد رؤيتك لموضوع الاختلاط في دراسة الطب والذي وصفته بأنه تجربة ناجحة بكل المقاييس.. كيف؟ •• كلنا يعرف أن الزلات الاستثنائية موجودة في كل فئات وشرائح المجتمع، فإذا كانت الفتاة محجبة وتعرف في داخلها معنى عفة النفس والذات فإنها تستطيع أن ترسم لنفسها خطا أحمر لا يتعدى عليه أحد، فأنا مثلا لي أكثر من أربعين سنة أعمل في بيئة مختلطة، أي منذ أن كنت طالبة في أول دفعة بكلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز لم أسمع أنه حدث بين طلبة وطالبات كلية الطب مشكلة استثنائية أكثر من غيرهم. • دكتورة سامية، مع احترامي لطرحك لا يمكن لك أن تغفلي عادات وتقاليد المجتمع، بل وتقفزي على مواقف حدثت وتحدث بسبب الاختلاط؟ •• قد يكون هذا حدث في السابق وأجيبك ببساطة. فعندما دخلت كلية الطب هوجمت والدتي هجوما شديدا، وسألوها كيف تقبلين أن تبيت ابنتك كطبيبة خارج البيت وتنام في المستشفى، وجاءت الأيام فإذا بالمنتقدين وبعضهم من كبار الدعاة يتقاتلون الآن على واسطة ليدخلوا بناتهم كليات الطب. • أعتقد يا دكتورة أن هذا ليس مقياسا عاما؟ •• بل على العكس، فأنت تجد في الطب المنقبة وكاشفة الوجه، وتجد أيضا من لا تغطي شعرها وأكثر طالبات الطب الآن منقبات، وأعتقد أن تجربة الأربعين سنة الماضية تؤكد أن تجربة الاختلاط واقع ملموس وتجربة قديمة وناجحة، وإذا قلنا الآن أن تجربة تأنيث المحلات جديدة، فماذا نقول عن وجود النساء مع الرجال في الشوارع والأسواق وغيرها من الأماكن العامة. أنا أعتقد أن لدينا ازدواجية في عقلية التعامل مع الاختلاط بحساسية عالية. الحجاب والنقاب • وهل لديك نفس القناعة بموضوع النقاب الذي ارتديته لفترة ثم عدت للبس الحجاب؟ •• قناعتي لم ولن تتغير بشأنه، فعندما كنت طالبة في سن البلوغ في الصف الخامس ابتدائي فرضت على والدتي لبس الحجاب، وعندما تزوجت طلب مني زوجي لبس النقاب، فلبسته وقلت في نفسي هو زيادة في الفضل، لكن ليس معنى ذلك تحريم كشف الوجه، وبقيت متمسكة بنقابي حتى بعد طلاقي فقد اعتدت عليه واعتاد علي، لكنني بعد الإصابة بمرض السرطان قررت أن أدخل عالم الإعلام المرئي لتوعية المجتمع بسرطان الثدي، فكان لا بد لي من كشف وجهي ليكون أداة تواصل بشفافية ووضوح، خصوصا أنني في مرحلة عمرية متقدمة، ويبقى الحجاب قناعة داخلية واعتزازا بقيمة شرعية كبيرة. • لماذا تحذرين في أكثر من مناسبة من ظاهرة البويات رغم أنها سلوكيات فردية محدودة لم تصل لمستوى أن تكون ظاهرة؟ •• بل على العكس، فظاهرة البويات في المدارس والجامعات موجودة ومتنامية، وأصبحنا نشاهدها في المناسبات الاجتماعية بطريقة مزعجة في العشر سنوات الأخيرة، وأنا كطبيبة ليس لي حق في الحكم على أحد؛ لأن هذه الظاهرة فيها جوانب طبية ونفسية وتربوية واجتماعية وإصلاحية، وللأسف ليس هناك أرقام وإحصائيات حول الظاهرة، وقد تكون الرغبة في التعتيم متعمدة؛ لكيلا يقال إن لدينا هذه الظاهرة، وهذا أحد أسباب تنامي الظاهرة. • من منطلق أننا مجتمع منزه من الأخطاء؟ •• هذا ليس صحيحا، فنحن لنا خصوصية كمجتمع، لكن توجد لدينا ظواهر تحدث في أي مجتمع، وعلينا أن نتصدى لها ونعلنها بكل الشفافية. • ألا تعتقدين أنك بالغت كثيرا عندما نشرت في كتابك (مذكرات امرأة سعودية) أن دور العلم تحولت إلى معتقلات للبنات؟ •• مجرد الشعور بالإيحاء بأن مقر السكن هو بمثابة سجن حديدي تقفل فيه الشبابيك والأبواب دلالة على عدم الثقة، لكن هذا لا يعني أن أفتح للطالبة الشبابيك وأقول لها أخرجي وأنت كاشفة لشعرك أو أعطيها تصريحا مفتوحا تخرج وتعود وقت ما تشاء، وإنما المطلوب أن نعزز الثقة والقيم في بناتنا ونعلمهن أن الحرية مسؤولية، طالما وضعنا لها الضوابط المطلوبة. • هذه ليست ضوابط على طريقة اعقلها وتوكل وإنما ترك الحبل على الغارب كما يبدو لي؟ •• هذا ليس صحيحا، لأن البنت تستطيع أن ترتكب أكبر الخطايا حتى وهي قابعة خلف أسوار عالية، والجدران لا تمنعها من ذلك، من يحمي هو الضمير القابع وتقوى الله التي يجب أن نزرعها في قلوب بناتنا. ختان المرأة • ما سبب موقفك الرافض لموضوع ختان المرأة؟ •• الختان تشويه للجهاز التناسلي بشكل مبالغ فيه، وله أبعاد اجتماعية ونفسية خطيرة، والختان المستحب ليس بهذه الصورة، حيث ما زال يجرى في مصر واليمن وأفريقيا بكثرة، أما في المملكة فلا يجرى في المستشفيات، لدرجة أنني وزملائي الأطباء والطبيبات لا نعرف كيف يجرى ولم نتعلمه ولم نتدرب عليه ولا يدرس طبيا. ويقوم به أناس غير الأطباء. • وتحذرين كثيرا من تنامي التحرش العائلي؟ •• للأسف الشديد أنه لا توجد إحصائية وأرقام بشأن هذا الموضوع، لكن من خلال دورنا كطبيبات وزميلات يعملن في هذا المجال اكتشفنا للأسف أنه توجد نسبة كبيرة من التحرش من داخل العائلة، ودائما التحرش يحدث من الأقرباء أكثر من الغرباء. • الكثير من النساء يعتبن عليك بسبب مطالبتك بعدم منح الحوامل من العاملات إجازات مرضية؟ •• لأن الحمل ظاهرة فسيولوجية وليس مرضا، فالحصول على إجازات مرضية وتعطيل المصالح بحجة الحمل أمر مرفوض ولا تحتاجه النساء إلا للضرورة القصوى، ولا أدل من ذلك أن بناتنا الطبيبات يعملن ويولدن وهن موجودات في الطوارئ. • أجدك ناشطة جدا في تويتر؟ •• أشعر أن هذه الساحة أداتي لنشر الوعي الطبي والمجتمعي والتربوي والأخلاقي، وتجعل مسؤوليتي أكبر كأم ومربية ومعلمة لبناتي وأبنائي في كلية الطب، ودائما أكرر هذه العبارة عليهم (زكاة علمكم أن تعلموا غيركم)، فأنا كما أخرج الزكاة عن مالي، على أيضا مسؤولية أن أخرج الزكاة من علمي. • البعض يقول إنك تبحثين عن تعاطف الناس معك؟ •• لعلمك أنا شخصية قوية جدا من الداخل، وأعتبر استجلاب العواطف صفة غير محببة في أي شخص، وكان هدفي من الكتابة في تويتر توعية المجتمع؛ لكيلا تتكرر معاناتي مع امرأة أخرى. وسأظل أكتب في تويتر من منطلق اهتمامي بالشأن العام، ويكفيني أن أغير كل يوم رأي ابن أو ابنة في الطريق الصحيح. • لكن القدرة على التغيير في مجتمعنا صعبة وتحتاج إلى وقت؟ •• للأسف أن لدينا شعورا دائما بأننا غير جاهزين للتغيير في أي شيء، والصحيح أننا جاهزون، لكن لدينا دائما فئة مقاومة للتغيير وهذا هو السبب. • أشعر من خلال كلامك بوجود علاقة قوية بين الأدب والطب في شخصيتك؟ •• منذ أن كنت مراهقة وأنا أهرب إلى عالم الكتب، ومنها ما كان يدخل في عالم الممنوعات ذلك الوقت، وقد كنت محظوظة بأمي التي تعشق القراءة وتحتفظ لنا بالكتب لنقرأها عندما نكبر، ولهذا فقد كتبت كتابي (مذكرات امرأة سعودية) وصففت كلماته على الكمبيوتر بيدي، وأعتقد أنه وصل لقلوب الكثيرين بسبب هذه العلاقة التي تجمعني بالقراءة، وللعلم فأنا ما زلت كلاسيكية ومن أنصار ومحبي قراءة الكتب والصحف الورقية. أنجلينا جولي • ما الذي يربط بينك وبين الممثلة الأمريكية أنجلينا جولي؟ •• لا أعرفها شخصيا ولم أقابلها من قبل، ولكنها عندما أصيبت بسرطان الثدي وخرجت في الإعلام في المؤتمر الصحفي لتعلن عن إصابتها كنت وقتها في جنيف، فوجدت بعد ساعتين أن هناك «إيميل» من إحدى القنوات الأمريكية التي ترغب في سماع تعليقي حول إصابة أنجلينا جولي فكتبوا عني مقالة، قالوا فيها: إن إنجلينا كسرت حاجز الصمت في الدول الغربية وسامية العمودي كسرته في الشرق الأوسط وربطوا بين قصتي وقصتها بشكل جميل. • قيل لي إن زيارتك لمنزل الوالد في حضرموت كانت هدية العمر لك؟ •• بدون شك. الوالد رحمه الله عندما كنت صغيرة يحكي لنا عن دارنا في حضرموت وهو نفسه لا يعرف داره؛ لأنه كان يرسل فلوسه لأخيه وأبناء عمه ليبنوا له بيتا وهذا طبيعة الكثير من الحضارم، فتوفي ولم يشاهد هذه الدار، فيشاء الله أن يدعوني المهندس عبدالله بقشان على طائرته الخاصة لحضور افتتاح مؤسسة حضرموت لمكافحة السرطان، ففوجئت به بعد الظهر يجهز لي سيارة لأزور منزل والدي فكانت واحدة من أجمل الهدايا التي تلقيتها في حياتي. • هل صحيح أنك تبرعت بأعضائك بعد وفاتك؟ •• نعم. وقد وقعت على ذلك منذ عام 2008م لشعوري بأهمية هذا العمل الإنساني لمن يعانون من المرضى، وأدعو الجميع للقيام بهذا العمل الإنساني النبيل. • ما علاقتك بالرياضة يا دكتورة؟ •• للأسف أن جيلي تربى على ثقافة بعيدة عن الرياضة، لكنني أحاول أن أعوض على نفسي من خلال تشجيع أولادي عليها، وأتابع في بعض الأحيان الأشياء المميزة وأشجع اللعبة الحلوة. • ما الفائدة الأكثر إيجابية التي حصلت عليها من إصابتك بمرض السرطان؟ ••علمني المرض كيف أكون قريبة من الله وكيف أكون أكثر حبا في الله، وهو نوع من الحب مهما شرحت لك عنه لن تستشعره كما حدث معي، شعرت بلذة حب الله، ولذلك سميت مرضي (رسالة حب من الله)، وأحسست أيضا بفضل الله على عندما أدخلني قلوب الناس، ولم يكن ليتغير محور حياتي لولا هذه الإصابة التي أحمد الله عليها.