حيثما نظر الانسان يرى الناس حوله مشغولين بتصوير لحظات حياتهم وحتى عندما يستعرضون الصور أمام معارفهم كل تعليقهم عليها يتمحور حول ظروف التقاطها، وليس خافيا أن هذا يتضمن تسطيحا مؤسفا في وعي الانسان بخبرات حياته، فالإنسان الذي شغله الشاغل تصوير لحظات حياته وكل تفكيره وعاطفته مشغولة بتوقع ردة الفعل على صوره عندما يضعها في حسابه على شبكات التواصل الاجتماعي يفرغ خبرات حياته من عمقها الجوهري المؤثر فيه فقط إن كان حاضرا بكليته للوعي بها، فتسجيل الخبرات في صور لا يؤدي لأي تطور في نوعية وعي وعقلية ونفسية الانسان وانماطه الاخلاقية والسلوكية، بينما حضور الانسان بكلية وعيه العقلي والنفسي والروحي في خبرات حياته وعدم التشاغل بالتصوير والتفكير في ردة الفعل على الصور هو ما يمكنه ان يحدث نقلة نوعية في وعي الانسان وبالتالي كل انماطه وشخصيته، والانسان لن يأخذ معه لأبديته صوره إنما سيأخذ معه وعيه العميق بخبرات حياته، ثم إن هذا الهوس بالسيلفي وتصوير حتى العبادات والاستعراض بصورها مؤشر على جهل واسع لدى الناس بالأدبيات الروحية عن غرور الانا «النفس» الذي قال النبي في الصحيح إنه من كان فيه مثقال ذرة منه لا يدخل الجنة، وقال اول من تسعر بهم النار حافظ للقرآن ومجاهد قتل بجهاده ومتصدق تصدق بأمواله والسبب أنهم استغلوا كل تلك الاحوال الايمانية لأجل ارضاء غرور الأنا «النفس» وليس لوجه الله، ونرى حتى بعض الدعاة يضعون صورهم وهم يقومون بالعبادات والصدقة ويضعون دعاءهم لله في حسابهم بمواقع التواصل الاجتماعي في الانترنت، وبعض المتصدقين يذلون الفقراء بتصويرهم وهم يستلمون الصدقة بلا اعتبار لمشاعر هذا الفقير ومشاعر أهله وان اولاده سيعيرهم زملاؤهم عندما يرون صور والدهم يستلم الصدقة بشكل مهين له، وكل هذا في سبيل ارضاء غرور الانا، وما عاد هناك وعي بأهمية أن تكون للإنسان سريرة خاصة بينه وبين الله يحفظ خصوصيتها ويكتمها وهذا هو مصداق الإخلاص، وما عاد هناك احساس بوجود حرمة ولا خصوصية لأي حال أو أحد، كما حصل مؤخرا مع الفتى الذي تصور مع جثة جده المتوفى ونشر الصورة في حسابه مع تعليق ساخر، وقد بات الشباب يقومون بأمور سيئة لأجل تصويرها لكي تحصل ردة فعل واسعة عليها ويشتهروا بسببها ولو كانت شهرة سوء، والاصل الصحيح أن خصوصية الانسان يجب ان تكون مقدسة الحدود وعندما يخرقها صاحبها فهو يفتحها امام اختراقات الآخرين المؤذية.