وقد تخيل أبو العلاء المعري في كتاب «رسالة الغفران»، أنه قابل النابغة الذبياني والنابغة الجعدي وأن الأخير قد اعتنق الدين الحنيف بينما فات ذلك على النابغة الذبياني فترافع النابغة الذبياني مدافعا عن نفسه بالقول : إنه كان مؤمنا بالله وإنه حج البيت الحرام وإنه مات قبل أن يدرك بعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام. وفي رسالة الغفران الخيالية هذه يطرح أبو العلاء المعري سؤالا على النابغة الذبياني يقول فيه : يا أبا أمامة انك لحصيف الرأي لبيب فكيف زين لك لبك أن تقول للنعمان بن المنذر : زعم الهمام بأن فاها بارد عذب إذا ما ذقته قلت ازدد زعم الهمام ولم أذقه بأنه يشفى ببرد لثاتها العطش الصدى ثم استمر بك القول حتى أنكره عليك خاصة وعامة ؟ فيقول النابغة بذكاء وفهم ؛ لقد ظلمني من عاب علي، فلو أنصف لعلم أنني احترزت أشد احتراز وذلك أن النعمان كان مستهترا بتلك المرأة، فأمرني أن أذكرها في شعري، فأدرت ذلك في خلدي فقلت إن وصفتها وصفا مطلقا جاز أن يكون بغيرها معلقا، وخشيت أن أذكر اسمها في النظم، فلا يكون ذلك موافقا للملك؛ لأن الملوك يأنفون من تسمية نسائهم فرأيت أن أسند الصفة إليه فأقول : زعم الهمام، إذ كنت لو تركت ذكره لظن السامع أن صفتي على المشاهدة والأبيات التي جاءت بعد، داخلة في وصف الهمام، فمن تأمل المعنى وجده غير مختل وكيف ينشدون : «وإذا نظرت رأيت أقمر مشرقا» وما بعده ؟ فيقول أرغم الله أنف شانئه ننشد، وإذا نظرت، وإذا لمست، وإذا طعنت، وإذا نزعت على الخطاب؛ فيقول النابغة : قد يسوغ هذا، ولكن الأجود أن تجعلوه إخبارا عن المتكلم لأن قولي : زعم الهمام يؤدي معنى قولنا : قال الهمام، فهذا أسلم إذا كان الملك إنما يحكي عن نفسه، وإذا جعلتموه على الخطاب قبح إن نسبتموه إلي فهو مندية، وإن نسبتموه إلى النعمان فهو إزراء وتنقص. ملاحظة : (مستهتر : تعني أن النعمان بن المنذر ملك الحيرة كان يحبها حبا شديدا فلا يبالي ما يقال فيها أو عنها). السطر الأخير : أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم.