عشت ساعة من زمن في أمسية من أماسي رمضان في مهرجان جدة. رأيت الابتسامة مرتسمة على وجوه الكبار والصغار، والبشر يعلو وجوههم، وهم يتجولون في أزقة وطرقات جدة القديمة يستروحون معالم الثقافة الحجازية، ويقلبون في صفحات تاريخها. يتوقفون عند بسطات البليلة، ومقليات خالتي فتو، ومعجنات أم مريم، وبسطات الكباب الميرو، والسمبوسك، والعيش أبو اللحم، والكشري، والمعمول. يتناولون أطباق الكبدة والمقلية والمطبق. وباختصار يعيشون لحظات الماضي الجميل، كما لوكانوا أسرة واحدة وهم بالألوف. دلفت إلى بيت اللبان. بيت عتيق من بيوت أيام زمان عندما كانت الأسرة الممتدة يعيش أفرادها تحت سقف واحد. الجد والجدة والأبناء والأحفاد. في عصر الفانوس والإتريك والقمرية، والحنفية والزير والدوارق، ومروحة اليد والمكنسة الخصف وكوانين الطبيخ. يوم كانت الحياة بسيطة، ومتطلباتها سهلة، والنفوس أقرب إلى الفطرة. وجدت العم حسن قايد يستقبل زائريه من رجال ونساء وأطفال يشرح لهم تركيبة البيت الحجازي الذي نشأنا وتربينا فيه.. الدهليز، والديوان، والمقعد، والصفة، والمجلس، والمخلوان، انتهاء بالسطوح والطيرمة والدقيسي. هل صحيح أن الماضي كان له لون ورائحة وطعم، أما تراها سبحات الخيال؟ أكثر ما استرعى انتباهي في المهرجان السلام والأمن يحيطان بالجميع. سألت الله أن يديم علينا هذه النعمة، وأن لا يبتلينا بما نخاف أونخشي. أما أكثر شيء تمنيته فهو أن تمتد ليالي المهرجان وأيامه على مدى شهور السنة، لما فيه من متنفس لأهالي جدة وزوارها، وأن تمتد فكرته لتعم بقية مدن المملكة. أقترح على المشرفين على المهرجان أن يفرضوا على دخول المهرجان رسما بسيطا لا يتجاوز ريالات محدودة، وأن يضيفوا حصيلته إلى الرسوم التي يحصلونها من أصحاب البسطات والمعارض، ويجعلوا كل ذلك في صندوق يخصص لتطوير وتحسين جدة القديمة موقع المهرجان، من صيانة ونظافة وحمامات ومقاعد توضع في جنبات المهرجان ليرتاح عليها كبار السن والمرهقون، وغير هذا وذاك من وسائل التطوير حتى تصبح جدة القديمة معلما يزار. أخيرا تهانيّ لكل من كان وراء هذا العمل الجميل من تخطيط وتنفيذ.