لا اعتقد أنه يوجد منظر سلوكي اقبح من منظر رجل منتفخ بالترف خارج من سيارة فارهة يفاصل بائعا أو بائعة بسيطة أو طفلا يبيع واقفا تحت الشمس طوال اليوم بدرجة حرارة تذيب الصخر لكي يخفض له قيمة الشيء البسيط الذي يبيعه ولا يزال يفاصله ويلح عليه حتى يأخذ ما يشتريه بسعر لا يكاد يغطي تكلفة البضاعة! فتبلد الحساسية بالآخرين لدى مثل هذا الشخص هو أكثر من صادم فهو مثير للاشمئزاز والشعور بالهول من درجة شح الانانية المادية الغرائزية اللاواعية التي يمكن ان يصل إليها الانسان وأقل ما يقال لهذا الشخص عيب عليك وعار ما تفعله، بينما الانسان الذي ليس لديه مثل هذا التبلد المنكر لا يتردد في اعطاء بائع أو بائعة البسطة أكثر من السعر الذي يطلبونه، وفي الواقع الشعور بالآخرين ورؤية الأمور من وجهة نظرهم يجعل كل عاديات يوميات الانسان تصبح مسيرة من الاحسان والعطاء الخيري المساعد لمن يحتاجون للمساعدة والمساندة والدعم، فمن يشعر بالآخرين ويرى الأمور من وجهة نظرهم يفضل الشراء من البسطات والدكاكين المتواضعة على الشراء من السوبرماركات والمحلات الكبرى التي اصحابها مليونيرات ومليارديرات ولا يحتاجون لثمن مشترياته، بينما البسطاء قد يشكل ثمن مشترياته بالنسبة لهم الفارق بين ان يباتوا شبعى أو جوعى هم وعوائلهم، لكن هناك من قد لا يكتفي بمفاصلة صاحب الدكان البسيط إنما يشتري منه على الحساب «أي بالدين» ويماطل ويتهرب من سداده وهو قادر عليه حتى يجعل صاحب الدكان يترجاه السداد كأنه يشحذ منه بينما هو يفضل شراء جوال جديد شهريا ومزيد من الاجهزة الذكية التي باتت بمثابة ألعاب للكبار لا يشبعون منها على ان يسدد حسابه للدكان البسيط الذي يأخذ منه مشترياته بل قد يحاول التشكيك في حسابه ويرفض السداد وهو يعلم أنه صحيح لكنه يريد أن يأكل حراما مال هذا الفقير الذي قد يكون مجرد موظف مسكين وافد متغرب عن اهله ووطنه يعمل في الدكان وسيتعين عليه السداد من راتبه القليل قيمة فاتورة من ينكر صحة حسابه، مثل هذا الشخص واضح أنه لا يوجد أي حضور لوعيه في حاله وإلا فلا يوجد انسان بوعيه يمكنه ان يتصرف بهذا الشكل الصادم بتبلده! ومثل غافل الوعي هذا لا يستفيق إلا بعد فوات الأوان عندما لا يعود ممكنا أن يغير شيئا من العواقب الابدية لسلوكه المتبلد ولا التهرب من الحسرات والندم والعار الابدي عليه.