أحمد لم يدرس في مدرسة أو كلية لإعداد الدعاة، لم يكلفه أحد أن يكون داعية، ولم يكن هو نفسه يعرف أنه يقدم الأنموذج الأمثل للداعية والأنموذج الأصعب كذلك، أحمد الذي لم يكن يتجاوز الثانية عشرة من عمره والذي كانت تتشقق شفتيه من العطش وسموم المدينةالمنورة يحول بينه وبين أن يرسم ابتسامة عريضة على تلك الشفتين وهو يتلقانا على عتبات الفندق داعيا إيانا: (افطروا عندي اليوم)، ثم يقودنا من باب الفندق إلى مائدة إفطار رمضان المعدة داخل المسجد النبوي الشريف، كان أحمد يعرف أنه يدعونا إلى مائدة الإفطار غير أنه لم يكن يعرف أنه يدعونا إلى التفكير في هذا الدين العظيم الذي يتخلق طفل بأخلاقه فيغادر سرير نومه وبيت أهله ومواطن لهوه ليشارك في إعداد مائدة رمضان في المسجد النبوي الشريف فإذا أوشك المغرب على الأذان خرج ليتلقى الصائمين يدعوهم وابتسامة حب على شفتيه إلى مائدة الطعام. أحمد الطفل الذي لم يكلفه أحد بالدعوة كان خير داعية لدين يشعر الأطفال بما فيه من معاني المحبة والتسامح والرفق، دين يعرف الأطفال فيه أن ابتسامة المسلم في وجه أخيه صدقة، دين يتمثل الأطفال فيه قيم الرحمة والتآخي والتسابق على فعل الخير فتتسم أقوالهم وأفعالهم بذلك كله وهم يدعون الزائرين لمائدة الإفطار. ولنا أن نتأمل بعد ذلك كله المسافة الشاسعة بين الإسلام الذي دعانا إليه أحمد حين كان يدعونا لمائدة الإفطار وذلك الإسلام الذي تدعي داعش أنها تدعو إليه حين تعلم الأطفال كيف يلبسون الأحزمة الناسفة وكيف يشاركون في قتل الأبرياء، كم هي المسافة شاسعة بين أحمد وأولئك الغلاة المتشددين من الدعاة الذين يقفون على المنابر يتوهمون أنهم يدعون إلى الإسلام وهم إنما ينفرون منه بما يمثلونه من غلظة في القول وتشدد في الدعوة. الإسلام الحق هو ما استشعرناه في ابتسامة أحمد وهو يدعونا لمائدة الإفطار، فهل يعرف الذين لا يعرفون من الإسلام إلا صورته التي شوهتها داعش والقاعدة أن طفلا في المدينة لو عرفوه لعرفوا الإسلام في أروع صوره وأبهاها.