هناك أقوام ابتلاهم الله بتغلغل المشاعر العدوانية في صدورهم، فلا يهنأون بشيء مثل العنف، والكراهية، والغلظة في القول، ولا يشفي غيظ صدورهم سوى الانتقام ورد الأذى بمثله وأكبر! أمثال هؤلاء لا يمكن لهم أن يعرفوا السعادة ولا الراحة، فمشاعرهم الغليظة المتوثبة دوما للهجوم والاعتداء تحول بينهم وبين الاسترخاء، كما أن سلوكهم العدواني الذي لا يتوانى في مقابلة الشر بالشر، يجعلهم يعيشون في بيئة صراع مستمر، فالشر يتقد بالشر، والنار لا تطفأ بقذفها بمزيد من الوقود!! على إثر وقوع الحوادث الإرهابية في الدالوة والقديح والعنود، ظهرت بعض الأصوات الحكيمة التي تدعو إلى الكف عن التحريض الطائفي الذي يتقد أواره ما بين طائفتي السنة والشيعة مسببا العداوة بين أبناء الوطن الواحد، وباثا الفتنة ومخلخلا الأمن في البلاد. لكن هذه الدعوة لم تعجب بعض الناس، فأخذت أصواتهم تعلو بالانتقاد لها، واتهام اصحابها بالليبرالية التي تبطن خيانة للدين وتخاذلا عن نصرته، وتتخذ ستارا لها حماية الوحدة الوطنية تحتج بها!! وفي تحد صريح، ظلت بعض المنابر داخل المساجد تجلجل بالدعاء التحريضي، تفوح منه رائحة الكراهية والبغضاء ضد إخوان لنا في الدين والوطن، فما الذي يبغيه هؤلاء الذين يصرون على مواصلة ضخ الحطب لإضرام نار العداوة والكراهية بين أبناء البلد الواحد؟ ولمصلحة من يحدث ذلك؟ ألا يرون النماذج البشعة منتشرة أمام أعينهم، تحكي ما يفعله التحريض وزرع العداوة من دمار وهلاك يصيب الجميع، فلا يستثني أحدا!! حين يقف الإمام في صلاة التراويح رافعا يديه مجلجلا صوته بالدعاء على (الرافضة)، ما ردة الفعل عندهم؟ أليس المتوقع أن تكون ردة الفعل مماثلة، فتجلجل أصواتهم هم أيضا بالدعاء على (النواصب)؟ ليستمر تبادل قذائف التنابز بالألقاب وترديد أدعية البغض إلى ما لا نهاية؟ وما أثر هذا في نفوس الناشئة من شباب الطائفتين؟ أليس من المتوقع أن يضخ مزيدا من انفعالات البغض والحقد في صدورهم تجاه بعضهم بعضا؟ فأي عقل هذا الذي يدفع بنا إلى التشبث بمثل هذا الوضع؟ وماذا يضير لو أنا بدأنا بالخطوة الأولى، فتسامحنا وعفونا عمن يسيء إلينا، لنكون من المحسنين الذين يحبهم الله {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين}؟ إن التسامح عما يبدر عن الآخر من إساءة، هو أقرب لإطفاء الفتنة وإحياء المودة. لكن بعض الناس حين تعرض عليهم مثل هذا الرأي يبادرون إلى إجابتك إجابة حمقاء، حيث يرون في السكوت عمن يسيء إليهم، ضعفا يشجعه على التمادي، وينسون أن الله سبحانه هو من أمر بدفع الإساءة بالاحسان: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}. إلا أن دفع الإساءة بالاحسان ليس ميسرا لكل أحد، هو فضل من الله يؤتيه من يشاء من عباده، {وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.