تلقيت في الأيام الماضية رسالة عبر هاتفي من أحد الأصدقاء مفادها حكمة مأثورة لغاندي تقول: (إذا قابلنا الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة)؟ كم هي جميلة هذه المقولة التي تحمل في طياتها المعاني النبيلة، وتدعو إلى الألفة والمحبة والتسامح في جميع تعاملاتنا. أعزائي القراء: كما تعلمون أن مفاد هذه المقولة ما هو إلاّ أمر بسيط جدًّا من الأمور التي حث ودعا إليها ديننا الإسلامي الذي يهيب بنا دومًا إلى التسامح والتصافح والتغافر، لأن ذلك طريق الصلاح والإصلاح، ولأن أيضًا القلوب والنفوس الكبيرة يجب أن تكون على ذلك الطريق، فكن متأكدًا أنك عندما تتعامل مع الناس فإنهم يعاملونك في الغالب على ما يريدون هم، لا على ما تريده أنت. لذلك خذ الأمور بأريحية وببساطة، وهيئ نفسك على التسامح دومًا.. وتذكر قول الله عز وجل في كتابه المنزل الحكيم في سورة «فصلت»: (مَن عمل صالحًا فلنفسه ومَن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد).. الآية 46. إن للأخلاق الحسنة الطيبة منزلة عظيمة في الإسلام، حيث جاء الإسلام بالتوحيد، وأمر به وعظم من شأنه؛ لأنه سبب في نجاة الإنسان، كما جاء بالأخلاق الحميدة، وأمر بها وعظم من شأنها، ومنها رد الإساءة بالإحسان، وأن لا ننزل إلى مستوى مَن أساء إلينا، وأن نعامل الآخرين بأخلاقنا لا بأخلاقهم. فحافظ على مكانتك ووقارك وأخلاقك السامية الرفيعة، ورد الإساءة بالإحسان، لأنها من أخلاق وصفات العظماء، ودليلاً على علو النفس، فكن عظيمًا ولا تنجر إلى الشر والسوء، فأنت الرابح الفائز. فهذا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الأسوة والقدوة الحسنة، حيث كان خُلقه القرآن، وقد وسع الناس بحسن خلقه، وكان أهل بيته من أسعد الناس بهذا الخلق.. فلنكسب الناس بل كل الناس القريب والبعيد، المسلم وغير المسلم، وذلك بأخلاقنا، وأدبنا، وحبنا، وسماحتنا، وعفونا، وصفحنا، وسعة صدورنا. فالواحد منا يتعامل كل يوم مع أولاده وزوجته وجيرانه وزملائه. يحتك مع الناس في العمل وفي السوق وفي الشارع، وربما يتصرف بعض هؤلاء بسوء خلق، بجهالة وسفاهة وجفوة، وعبوس، وقد يمتد الأمر إلى سب وشتم وطعن وتطاول و...، و... فهل نقابلهم بنفس الأخلاق؟ الجواب بالطبع (لا)؛ لأن الشخص الكريم العفيف النبيل يرد الإساءة بالإحسان، ويترفع عن مقابلة السيئة بالسيئة، والخطأ بالخطأ. وعلينا أن لا نغتر أبدًا لمن يقول بأن ذلك يعد ضعفًا أو خوفًا، بل يجب علينا أن نؤكد له بأن ذلك دليل قوة وصلابة وعزيمة صادقة بالتقيد بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.. وكلنا يعلم بأن رد الإساءة بالإحسان قد يكون تصرفًا صعبًا بحكم أن نفس الإنسان بطبيعتها تتأثر وتتألم وتتضايق من إيذاء الآخرين لها بالسوء، ولكن يظهر هنا فضل الصبر والتحمل والحلم وكظم الغيظ والعفو والصفح. فإذا كان المسيء أحد أولادك فأنت الوالد الحنون، وإذا كان تلميذًا فأنت المربي والمؤدب، وإذا كان زوجًا فأنت اللطيف الحبيب، وإذا كان كائنًا مَن كان فأنت النبيل وصاحب الخلق الرفيع، ومهما تعجرف وتتطاول وتمادى الطرف الآخر فإنه في قرارة نفسه يشهد بحسن خلقك، ولن ينسى أبدًا موقفك الرائع معه، وأرى العمل على نشر مبدأ نسيان الإساءة في مجتمعنا.. فهو دليل على صفاء القلوب.. نعم علينا نسيان كل الإساءات، وأن نسقطها من نفوسنا عامدين متعمدين طمعًا في ثواب أكبر وعفو لا ينقطع بإذن الله، ولنتذكر دائمًا (فمَن عفا وأصلح فأجره على الله). وقفة: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسانُ [email protected]