قال الله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم».. إن مجتمعنا العربي السعودي متمسك - ولله الحمد - بمبادئ الشريعة الإسلامية، التي تحض على المساواة بين الناس، واحترام إنسانية الإنسان لذاته، وبصرف النظر عن: أصله، أو عرقه، أو جنسه، أو انتمائه الشعوبي أو القبلي أو الأسري، أو لونه، أو وضعه الاجتماعي، أو غير ذلك مما يميز بين بني البشر. ويمنع ديننا الحنيف التفرقة فيما بين الناس على أي أساس، عدا التقوى التي هي المقياس الوحيد للتميز ولمدى رضا الله، بطاعة أوامره واجتناب نواهيه. ومع ذلك، لا يخلو مجتمع من تفرقة سلبية بين بنيه، على هذا المعيار أو ذاك. ومما يجعل هذا التمييز غير مقبول، وغير مشروع، ومخالفا للدين، ولكل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية الخيرة، هو ما يترتب عليه غالبا من ضياع لحقوق مستحقة، أو اكتساب امتيازات و «حقوق» غير مستحقة. وهذا ما يؤكد أن التمييز، بهذا المعنى، شر، كثيرا ما تنعكس آثاره السلبية على تواد وتراحم وتماسك المجتمع الذي يبتلى به، سواء كان هذا الابتلاء محدودا، أو مستشريا. وتسود العالم من حولنا الآن موجة قوية تؤكد على حماية حقوق الإنسان الأساسية، ومنع التفرقة فيما بين البشر في كل المجالات، مع تحريم وتجريم التفرقة العنصرية (Apartheid) بكافة أشكالها، وسن القوانين والنظم التي تضمن المساواة بين الناس، ولو في حدها الأدنى. وتحض معظم نظمنا السعودية على العدالة والمساواة بين المواطنين، ومع ذلك تحدث بين ظهرانينا - كما هو معروف - الكثير من الحالات التمييزية الصارخة والمؤسفة. كما أن «التمييز » على أساس مذهبي يعتبر واحدا من أهم أسباب استخدام العنف والإرهاب. ولذلك، نحتاج إلى قانون حاسم وصارم ورادع قائم بذاته، للتقليل (عبر التطبيق السليم له) من هذه الحالات لأدنى حد ممكن. **** وانطلاقا من ذلك، ومن مواد النظام الأساسي للحكم (وخاصة المواد 8، 10، 11، 12، 26) تقدمت لمجلس الشورى بمشروع نظام (عبر المادة 23 من نظام مجلس الشورى) بعنوان: نظام مكافحة التمييز العنصري والفئوي الذي آمل أن يدرس، وأن يتم تبنيه، وأن يؤدي تطبيقه إلى تجريم التمييز على أساس عنصري أو فئوي، وإنزال العقاب بمن يرتكب هذا الجرم، واستعادة حق المتضرر من أي تمييز ضده، سبب له أي قدر من الأذى والضرر. وكم أرجو أن ينال استحسان مجلس الشورى الموقر، ويرى النور قريبا، ويصبح جزءا من المنظومة القانونية بالمملكة. يقع مشروع النظام في ديباجة، وثماني مواد فقط. المادة الأولى خصصت لتعريف وتحديد المصطلحات الواردة في النظام. والمادة الثانية أكدت أن الأصل في التعامل فيما بين الناس هو المساواة، وفق مبادئ الشريعة الإسلامية. أما المادة الثالثة، فقد حددت متى يكون التعامل تمييزا عنصريا، وفئويا، وسواء ورد في هيئة قول أو فعل، أو قول وفعل معا. بينما «المادة الرابعة»، تؤكد حق كل فرد في التمسك بأصله، والفخر بنسبه ووضعه على أن لا يكون لذلك أي تأثير في الحياة العامة التي تقتضي المساواة فيما بين الناس أمام القانون، في الحقوق والواجبات كافة. وسأكمل بقية هذا الموضوع في الأسبوع القادم بإذن الله..