الإرهاب ليس له دين ولا طائفة ولا جنسية، وتاريخه وأعماله وانتشاره يؤكد هذه الحقيقة، فهو يشعل الحرائق ويغتال الأبرياء ويحرق المدن ويتلف موروث الحضارة الإنسانية في كل مكان احتاحه. والإرهاب عمل متوحش مدمر يقترفه أفراد ومجموعات غيبت عقولهم ومسخت إنسانيتهم وفقدوا قيم الدين الداعية إلى الرحمة والعدل وحرمة الاعتداء على النفوس البريئة.. وهؤلاء الأفراد والمجموعات الدموية المنحرفة أصبحت «أدوات» خطرة في أيدي قيادات وجهات كثيرة، بعضها يعلن بغباء ووحشية فخره بارتكاب الجرائم الشنيعة ضد الأبرياء المصلين في بيوت الله في الشهر الكريم.. وبعضها تحركه أطماع دولية وأجهزة استخباراتية متعددة المصادر والمقاصد لتحقيق أهدافها المعادية لمصالح الشعوب واستقرارها وأمنها .. وهذا الخطر بات يهدد الوطن ويهدد الأمن والاستقرار ويهدد الأرواح والمال ويهدد السلم الاجتماعي ويهدد السكينة والاطمئنان في النفوس ويزرع الأحقاد والشكوك بين أبناء الوطن الواحد. وحين تحاصر الوطن وأهله هذه الأخطار والمهددات، تصبح وسائل التصدي لها هي الأولى باهتمامنا وتفكيرنا وجهودنا وحواراتنا ونقاشنا وبحثنا عن الحلول المشتركة لمواجهتها .. وأول ما نستدعي، في هذه اللحظة، ونحرص على الاطمئنان عليه والتمسك به وتقوية تحصينه وتأثيره، هو الوحدة الوطنية الجامعة التي تتجاوز التفاصيل الصغيرة وتؤجل الهموم الخاصة والاهتمامات الذاتية، من أجل الهدف الأسمى الذي به تتوحد الجهود وتنصهر الإرادات وتمضي العزائم لتقوية أسباب الخروج من أجندة الخطر التي يحاول أعداء الوطن فرضها علينا. ما حدث في القديح والدمام وقبله في الدالوة وما وقع أمس الأول في الكويت وما تبثه قنوات الكراهية من خطاب منفر مستفز يشحن النفوس المحتقنة، يؤكد أن مخططا شيطانيا يستهدف الوحدة الوطنية وزرع الشكوك بين طوائف المجتمع في هذه المنطقة، وأن تلك الجرائم خطوة أولى في المخطط البغيض، سيعمل المجرمون على أن تتلوها خطوات. فإذا كان أشقياء الإرهاب استهدفوا حتى الآن مساجد الشيعة فلن يتوقفوا حتى تسيل دماء الأبرياء في مساجد السنة ومراكزهم، من أجل إشعال الفتنة وتأجيج نيران الثأر بين الجميع. والتحدي الحقيقي، الآن، أمام الجميع هو كيف يفوت المجتمع، بكل رموزه الدينية ومؤسساته الثقافية ووسائله الإعلامية على الإرهابيين تحقيق أهدافهم ..! أعلم أن المسألة ليست بالبساطة التي يتم بها تناولها في كلمات، فهناك الكثير من التراكمات القابلة للاشتعال، لكن إذا أدرك أهل الرأي وأصحاب الكلمة المسموعة الخطر الذي يتهدد الجميع فإن التنادي إلى اليقظة وإبطال كل التداعيات والوقوف في وجه الإعصار سيقلل من حجم الأضرار حتى وإن بقيت بعض الأخطار الفردية. على العقلاء ورموز الوطن بكل طوائفه أن يدركوا الخطر ويسهموا في مواجهته، لأنه إذا علا صوته واتسعت دائرته لا سمح الله فلن ينجو منه أحد.