لم يأت رحيل نسبة كبيرة من رؤوس الأموال السعودية إلى منطقة الخليج من فراغ، بل لأسباب يراها البعض منطقية، منها وجود أنظمة وقيود تحد من تحرك المستثمرين في المملكة، في حين تقدم دول الجوار التسهيلات والإغراءات التي تجذب التجار، لمزاولة نشاطهم فيها. ويعتبر تطبيق قرار رفع رسوم رخص العمال من 100 ريال إلى 2400 ريال سنويا الذي أقرته وزارة العمل في أواخر 2012 مثالا واضحا للمعوقات، التي أثقلت كاهل مؤسسات وشركات سعودية وأجبرتها على إغلاق أبوابها، والبحث عن فرص استثمارية أخرى خارج الحدود، إذ تشير إحصائيات إلى أن استثمارات تقدر بأربعة مليارات غادرت المملكة إلى الخارج، بعد تطبيق القرار بثلاثة أسابيع فقط، ومن ثم توالت الأموال السعودية في الرحيل بمرور الأيام، ولم يكن ذلك العائق السبب الوحيد، وراء تلك الهجرة، فإلزام المستثمرين خصوصا في قطاع الذهب والمجوهرات، بنسبة سعودة، لم يتمكنوا من الوصول إليه، عجل برحيلهم إلى دول الخليج، لاسيما دبي، التي تهيئ أجواء مناسبة تساعدهم على مزاولة نشاطهم دون أي منغصات، بل أن الأنظمة فيها تركز على تدليل الراغبين للاستثمار فيها، وتتفنن في ذلك، عبر تسخير طواقم وكفاءات مدربة على الاستقبال المثالي للتجار القادمين من الخارج، منذ وصولهم في المطار، وحتى إنجاز التصاريح والمعاملات في الجهات المختصة بسلاسة، ليشقوا طريقهم الاستثماري في أجواء حميمية ومثالية، على عكس ما يحدث لدينا من معوقات بيروقراطية وروتين ممل، وإذا أردنا أن نتناولها، فإن القائمة ستطول، ولن نستطيع حصرها في مقال، لكن نركز على بعضها كافتقادنا لخارطة واضحة للاستثمار، وغياب الأنظمة العدلية الخاصة به، إذ لا توجد لدينا محاكم تعنى بشؤون المستثمرين وتبت في قضاياهم المختلفة مع الجهات الأخرى. كما هو الحال في دول الجوار، ما يجعل الضبابية تكتنف المجال، وبات من المألوف رؤية مشاريع عقارية ضخمة للمستثمرين السعوديين الكبار في أنحاء دبي، وغيرها من الإمارات العربية المتحدة، شاهدة على أن أنظمة الاستثمار في المملكة بحاجة لإعادة النظر، فنحن أولى بأموالنا من غيرنا، في بلد ينعم بالأمن والأمان والخير والرخاء، ويشكل أرضا خصبة للاستثمار النموذجي، ويتمتع بسيولة ضخمة، إلا أنه بحاجة إلى قليل من المرونة في الأنظمة، تسهم في بقاء أبنائه التجار فيه وتجذب المستثمرين الأجانب للتدفق إليه. أما عن تداول الذهب والنفط والعملات فالمستثمرون داخل المملكة يفتقرون لمنصات خاصة يزاولون فيها ذلك النشاط بعيدا عن البنوك، دفع البعض منهم ناحية السوق السوداء في الإنترنت، جعلهم عرضة للسرقة والنهب. لماذا نجعل المستثمر السعودي يتداول بهذه الطريقة؟.. وهو صاحب سيولة عالية؟ لماذا لا تكون هناك أنظمة تحمي أمواله؟ هل مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) وهيئة سوق المال قادرتان على التحرك لإنشاء تلك المنصات الاستثمارية ومراقبتها، حفاظا على رؤوس الأموال الوطنية؟.