لا يمكن قراءة زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع لفرنسا خارج سياق المشهد الاقليمي المتصاعد والمفتوح على كل الاحتمالات. وحرص المملكة على تعزيز شراكتها مع باريس في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية وفي نفس الوقت حث فرنسا للتحرك بشكل جاد لإيجاد حلول لقضايا المنطقة وأزماتها المستفحلة. التحرك السعودي باتجاه الغرب دفعته حساسية الأوضاع في المنطقة العربية وما يجري في اليمن والعراق وسورية وليبيا إضافة إلى عملية السلام المتعثرة في الشرق الاوسط جراء التعنت الاسرائيلي، فكانت باريس؛ لأنها الحلقة الاقرب للقضايا العربية والنقطة الأهم أوروبيا. وتعرف المملكة بأن فرنسا هي الحلقة الأوروبية الأقرب للعرب وعليه يصبح تأمل تطورات المشهد مع باريس خطوة سياسية استراتيجية تبقي الرياض «في التفاصيل» وتلفت النظر ضمنيا إلى أنها لا تتفق تماما مع ما يجري في المنطقة فإيران في وضع متصدر في المنطقة وفقا لما قاله رئيس الوزراء الأردني السابق طاهر المصري فيما النظام العربي الرسمي سيتعامل مع حقائق ووقائع الوضع الجديد بدون هوامش إضافية أو متعددة من المناورات. ولا شك كما يقول المصري أن إيران تسعى الآن للتمدد فقاعيا كما تفعل في اليمن وسورية والعراق ولبنان وهو تمدد من شأنه خلق حالة من الفوضى لن تسمح بها المملكة التي ستبلغ باريس استنادا الى قاعدة متينة من التفاهم السياسي والرؤية المشتركة بين البلدين للقضايا الملتهبة في المنطقة رؤيتها لقضايا الملف النووي الايراني وأمن الخليج والموضوع السوري والحرب على الارهاب في العراق والملف اليمني. ويرى رئيس الوزراء الاردني السابق ان المواقف السعودية والفرنسية متطابقة في مجمل هذه القضايا وعليه فإن صاحب السمو الملكي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سيعمل على اقناع فرنسا بإيجاد فهم اوسع في الاتحاد الاوروبي ليأخذ الاتحاد دورا أكبر وأوسع لإقناع المؤسسة الدولية وعواصم القرار بأن الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الاوسط هو مفتاح الأمان للعالم وأن حل القضية الفلسطينية وفقا لحل إقامة الدولتين هو مفتاح السلام الشامل. ويعتبر رئيس مجلس النواب الاردني السابق النائب سعد هايل سرور أن المملكة هي اللاعب الاهم في المعادلة السياسية الأوروبية لارتباطها بعلاقات وثيقة بالاتحاد الاوروبي وهي علاقات شكلت على الدوام استثمارا سياسيا للرياض لخدمة القضايا العربية. ويلفت النائب السرور الى ان زيارة ولي ولي السعودي محمد بن سلمان لفرنسا تأتي للعمل على احتواء كل التحركات التي تقوم بها بعض الجهات الاقليمية لزعزعة امن واستقرار المنطقة العربية والبحث عن سبل محاربة الارهاب الذي يضرب في سورية والعراق واليمن. ويقول ان لفرنسا دورا مهما في الاتحاد الاوروبي وهي دوما تستمع بدقة لما تقوله الرياض وعليه فإن زيارة ولي ولي العهد واجتماعه بالرئيس هولاند وأركان الحكم الفرنسي ستدفع باتجاه ايجاد الحلول لملفات المنطقة العالقة استنادا الى موقع وأهمية السعودية في الرؤية الفرنسية للمنطقة ولأهمية العلاقات الراسخة بين باريسوالرياض. بدوره اعتبر الوزير السابق وأستاذ العلوم السياسية الدكتور أمين مشاقبة أن التحرك السعودي بكل اتجاهات عواصم القرار الدولية يشكل تحركا سياسيا لافتا من شأنه تعزيز الموقف الأوروبي والدولي من القضايا والملفات العربية. ووصف التحرك السعودي باتجاه فرنسا باللافت مبينا ان الرياض تسعى لاستثمار علاقاتها الايجابية والقوية مع بعض العواصم الاوروبية لدعم الشرعية في اليمن وحماية المنطقة من خطر تنظيم داعش وتمدده إضافة إلى محاصرة المد الإيراني الذي يستهدف البوابة اليمنية للتغلغل إلى المنطقة. وأشاد الدكتور مشاقبة بتحركات المملكة تجاه عواصم القرار معتبرا التوقف في المحطة الفرنسية خطوة هامة لدفع الاتحاد الاوروبي لاتخاذ مواقف أقوى وأشد تجاه ما يحدث في المنطقة وما تتعرض له من مخاطر حقيقية.