أكد الدكتور شوقي علام، مفتي مصر في حواره ل «عكاظ»، على ضرورة التعاون التام فيما بين الشعوب والدول العربية والاسلامية، ومساندة الجهود التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في حربه ضد الارهاب لاقتلاع جذوره من المنطقة، لافتا في حواره إلى ضرورة التكاتف لتحقيق الخير والنماء والاستقرار للمنطقة، وأن شهر رمضان المبارك شهر للعمل والاجتهاد وليس للخمول والكسل، وشدد على دور الخطاب الديني الهام جدا في هذه المرحلة، لدحض حجج المتطرفين والغلاة في الدين، والذين ذهبوا من أجل تبرير أفعالهم الإجرامية من قتل وسفك للدماء إلى الاستدلال بآيات قرآنية وأدلة من السنة النبوية مقطوعة عن سياقها بفهم عقيم ينم عن جهل مطبق، مصدرين للآخر خطابا دينيا يبرر العنف والارهاب، فإلى الحوار : • بداية كيف تستقبل الأمتان العربية والإسلامية شهر رمضان ؟ •• علينا أن نجعل من هذا الشهر العظيم فرصة للتصافي والتآخي والتراحم والتواصل فيما بيننا، ونتخلى عن المشاحنات والخلافات وننقي أنفسنا ونصفيها تجاه الآخرين مما أصابها في الفترة السابقة، لنعود إلى الصفاء تجاههم، وهذه دعوة للجميع من أجل أن يمد كل منا يده للآخر مسامحا، ولن نترك الخلافات تكثر وترسب في نفوسنا التنافر والتناحر والتنابذ وخلافه، فرمضان هو شهر التصافي، ونبذ الخلافات، وتنقية القلوب مما علق بها، هو شهر العفو عمن أخطأ في حقنا، يقول تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}، وعلينا أيضا أن نجعل من شهر رمضان فرصة لأن نصل أرحامنا التي حثنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ونداوم على فعل الخيرات به، ورمضان هو شهر القرآن، وشهر العبادة والذكر والصدقة، هو شهر الرحمة والمغفرة، وهو سيد الشهور كلها، اختصه الله تعالى بالخير العظيم فأكثر فيه من الغفران، ومحو السيئات، وإقالة العثرات، ورفع الدرجات ومضاعفة الحسنات، واستجابة الدعوات، ونجى فيه من النار كثيرا، وعم فيه الخير واليمن والبركات، وهو شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين، لذا علينا أن نستغل هذا الشهر الكريم في العبادة والطاعة، وألا نهدر أوقاتنا في أشياء غير ذي جدوى، بل يجب علينا أن نطلب فيه العلم ونجالس العلماء والصالحين، فشهر رمضان هو فرصة عظيمة علينا ألا نفوتها بل نغتنمها ونستفيد منها، بالنسبة للعلم والعبادة والطاعة لله تعالى في كل شؤون حياتنا فهو شهر للعمل والاجتهاد والتقرب الى الله تعالى، وعلى المرء أن يكون من السابقين إلى هذا الشهر الكريم ومن المتنافسين فيه، قال الله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}، قال الحسن البصري رحمه الله «إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون! ويخسر فيه المبطلون!»، كما أنه يجب على كل أحد منا أن يعقد النية والعزيمة على ترك الذنوب والتوبة؛ لأن هذا الشهر يعد فرصة حقيقية للتغيير، وفتح صفحة بيضاء مع الله تعالى ومع خلقه يقول تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. الملك سلمان وإكمال مسيرة • يحل رمضان هذا العام والمملكة ومصر تزدادان تعاونا على الخير، ما هي الرسالة التي توجهها بهذه المناسبة الى قيادة وشعب المملكة ؟ •• نسأل الله تعالى التوفيق لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وفي حربه التي يخوضها ضد الارهاب لحماية المنطقة بأثرها من براثنه، وندعو الله له بالتوفيق في إكمال مسيرة سلفه، رحمه الله، في البناء والتنمية في المملكة، وبالمزيد من التوسعات في بيت الله الحرام لرفع المعاناه عن ضيوف الرحمن، ونسأل الله تعالى أن يعم الاستقرار والأمان والرخاء للمملكة ومصر وجميع الشعوب العربية والإسلامية. ليس من أطباع المسلم • تعيش الأمة تطرفا وصل حد الذبح، كيف نستلهم من رمضان قيمه لنعود خير أمة أخرجت للناس ؟ •• يحدث ذلك عندما يستمع الجميع إلى المنهج الوسطي والمعتدل الذي يتصف به الإسلام؛ لأن الغلو والتطرف والتشدد ليسوا من طباع المسلم الحقيقي المتسامح المنشرح الصدر، ولا من خواص أمة الإسلام بحال من الأحوال، ومنهج الدعوة إلى الله يقوم على الرفق واللين، ويرفض الغلظة والعنف في التوجيه والتعبير والتوازن والاعتدال والتوسط والتيسير، ومن خطورة التطرف والتشدد أنه تسبب في تدمير بنى شامخة في حضارات كبرى، وهو بكل أشكاله غريب عن الإسلام الذي يقوم على الاعتدال والتسامح، ولا يمكن لإنسان أنار الله قلبه أن يكون مغاليا متطرفًا ولا متشددا، ولكي نبتعد عن الخلافات والانشقاق لا بد من جلوس كل التيارات والقوى للحوار وبحث وتدارس القضايا التي تنهض بالأمة؛ حتى نستطيع توحيد الكلمة وتحقيق صالح البلاد والعباد، والوصول إلى مشترك فكري يمكن في إطاره إدارة الحوار البناء الذي ينهض بالبلاد والعباد حتى نتجاوز ما هو مختلف فيه، وضمان وجود السلام الاجتماعي الذي في ظله ينعم الجميع بحياة آمنة. الرؤية الصحيحة • بالمناسبة كل عام يحدث جدل حول رؤية هلال رمضان، يقول الله تعالى:{فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، هل المقصود من المشاهدة هي رؤية الهلال بالعين المجردة أم استخدام الأجهزة الحديثة كما هو الآن ؟ •• من المقرر شرعا أن القطعي مقدم على الظني؛ أي أن الحساب القطعي لا يمكن أن يعارض الرؤية الصحيحة، ولذلك صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية سنة 1964م، واتفقت المؤتمرات الفقهية كمؤتمر جدة وغيره على الاستئناس بالحسابات الفلكية القطعية مع الاعتماد على الرؤية البصرية الصحيحة، وهذا يعني أن الحساب ينفي ولا يثبت، وأنه يعد تهمة للرائي الذي يدعي خلافه؛ قال الإمام التقي السبكي في فتاواه، لأن الحساب قَطعي والشهادة والخبر ظنيان، والظن لا يعارض القطع فضلا عن أن يقدم عليه، والبينة شرطها أن يكون ما شهدت به ممكنا حسا وعقلا وشرعا، فإذا فرض دلالة الحساب قطعا على عدم الإمكان، ولذلك فالمشاهدة المذكورة بالآية تشمل العين المجردة وكل الوسائط التي من شأنها المساعدة في إثبات طلوع الهلال أو عدمه. الخطاب الديني • في ظل اتهامات للمؤسسة الدينية الرسمية أصبح تجديد الخطاب الديني المصطلح الأكثر إلحاحا في ظل موجة التطرف والقتل والحرق من قبل منشقين عن الصف الإسلامي، والتي للأسف يلصقها البعض في الإسلام، ما الذي يجب فعله من وجهة نظر فضيلتكم لتقديم خطاب ديني قادر على القضاء على هذه الظاهرة؟ •• يجب التأكيد على أن دور الخطاب الديني مهم جدا في هذه المرحلة، لدحض حجج المتطرفين والغلاة في الدين، والذين ذهبوا من أجل تبرير أفعالهم الإجرامية من قتل وسفك للدماء إلى الاستدلال بآيات قرآنية وأدلة من السنة النبوية مقطوعة عن سياقها بفهم عقيم ينم عن جهل مطبق، مصدرين للآخر خطابا دينيا يبرر العنف بكل أشكاله وفي حق الجميع، في الوقت الذي نهى الإسلام عن القتل والترويع، ومسألة ضبط الخطاب الديني تتطلب مراجعة أمينة له وتجديدا مهما وضروريا لكي يكون الخطاب الديني رادعا للعنف والإرهاب ودافعا للعمل ومحفزا على الدعم والتعاون والتدافع في الأرض لإعمارها وعمارتها، وعليه فلا بد أن يحارب الخطاب الديني الأفكار المتطرفة والهدامة التي تسعى لنشر الخراب والفتن عبر اجتزاء النصوص الدينية وتأويلها بغير حقها، وتنزيلها على وقائع وأحداث لا تمت لها بصلة، فيجب على المتصدرين للخطاب الديني أن ينتبهوا لمثل تلك الأفكار والمحاذير وأن يتصدوا لها بوعي وعلم وبصيرة عبر نشر فكر إسلامي وسطي يعبر عن صحيح الدين وسماحته وإيجابيته في الحياة الدنيا، كما أنه لا بد أن يتصف الخطاب الديني المأمول بمجموعة من الخصائص التي تناسب العصر ليكون فيه الحل لكل ما يعن للمسلم في أمر دينه، خطاب يكون قوامه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويتصف بالوسطية والاعتدال، ويكون خطابا عالميا يخاطب الجميع ولا يقتصر على المسلمين، ويدعو إلى التفاؤل والعمل ونبذ الكسل والإحباط وغيرها من الصفات التي تقرب الناس إلى الدين ولا تكون سببا لنفورهم من الدين. مواجهة الشبهات • مؤخرا توسعت دار الإفتاء في الرد على الشبهات التي تحيط بالإسلام كالفتاوى الشاذة والتطاول على ثوابت الدين، هل هذا يدخل ضمن خطة معينة للدار في الفترة القادمة ؟ •• مهمة الدار الأساسية هي بيان الحكم الشرعي للمسلمين في كل ما يشغلهم في أمور دنياهم ودينهم، وهذا هو صميم عملنا بدار الإفتاء المصرية، وكوضع طبيعي انتشرت في الآونة الأخيرة موجة من الشبهات والفتاوى الشاذة والآراء الصادمة التي تطعن في ثوابت الدين والصحابة، وبالتالي هبت الدار من واقع صميم عملها للرد على كل تلك الشبهات والافتراءات، وكان هذا النشاط واضحا بشكل ملحوظ نتيجة الزخم الكبير حول هذه القضايا ونتيجة لانتشار الآراء المتشددة من قبل البعض، فالدار من خلال مرصد الفتاوى التكفيرية والشاذة تحصل على الكثير من هذه الفتاوى والآراء نتيجة الرصد اليومي وعلى مدار الساعة من قبل الباحثين والمتخصصين في هذا المرصد، ومن ثم تقوم بالرد والتفاعل مع الأحداث ونشرها في الإعلام لإعطاء الصورة الصحيحة، ومنع حدوث البلبلة والوقيعة بين الناس في ظل ما تشهد البلاد من ظروف في وقتنا الحالي، وهذا العمل سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل إن شاء الله هو نابع من صميم عمل دار الإفتاء المصرية ودورها في نشر الوعي الديني الوسطي بين المسلمين . تربص الأعداء • ما دور العلماء والدعاة في هذه العاصفة التي تمر بها خاصة وأن هناك اتهامات لهذا الدور بالغياب ؟ •• بعيدا عن هذا الاتهام الذي لا أراه منصفا على العلماء أن يسعوا جاهدين في تحقيق الوحدة التي تعتبر فرضا من فروض الدين، وأساسا من أساساته وخاصة في هذه الظروف التي تمر بها الأمة حاليا؛ حيث يتربص أعداؤها بها ويحاولون فرض روح الشحناء والتفرقة والنعرات الطائفية بين أبناء الدين الواحد، كما أطالب العلماء والمفكرين بالحض على تعاليم الإسلام السمح واتباع أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى الله وكيفية العيش مع الآخر وتقبله واحترام عقائده. دور الجميع • بالمناسبة ما هو دور الأزهر ودار الإفتاء والمؤسسات الدينية في مواجهة الهجمة على الثوابت الدينية ؟ •• الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف في مصر ونظراؤهم في المملكة والعالم الاسلامي، تقع عليهم مسؤولية كبيرة تجاه هذه الظواهر، نظرا لمكانتهم العلمية والإفتائية والدعوية، ولما لهم من رصيد عند كافة المسلمين في الشرق والغرب، وسيكون لهم دور إيجابي بإذن الله تعالى في المرحلة المقبلة، خصوصا في التصدي لمثل هذه القضايا من خلال الرد عليها الرد العلمي الصحيح، وذلك بمنهجية علمية منضبطة تراعي الواقع والمصالح والمآلات والمقاصد الشرعية، بعيدا عن الإثارة الإعلامية التي لا طائل من ورائها غير مزيد من الالتباس على الناس، ونحن بالفعل أخذنا الخطوة فدار الإفتاء تعكف الآن على صياغة ردود علمية موثقة ستظهر تباعا لكل المسائل والقضايا والشبهات المثارة على الساحة الآن قياما بواجب توضيح صحيح الدين، ودفعا للاتهامات التي يحرص السفهاء على إلصاقها بالإسلام، ووأدا لأي محاولة لنشر الفتن أو الطعن على الثوابت. فتاوى التكفير • رغم كل هذه الجهود كيف تفسرون ظهور جماعات اكثر تطرفا وعنفا مثل داعش وغيرها ؟ •• الإسلام جاء للسلم والبناء، ومخطئ من يعتقد أن الإسلام يدعو للتخريب والعنف والإرهاب، ونحن وجدنا أن أي عمل إرهابي يبدأ بفكرة متشددة، ولكي نقضي على الإرهاب لا بد من تفكيك هذه الأفكار المتشددة بشكل علمي والرد عليها بالحجج ودحضها من أجل القضاء على الإرهاب في مهده، لذلك جاء دعمنا الكامل لمبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، ونحن على استعداد تام لتقديم كافة أشكال الدعم العلمي والشرعي لهذا المركز لأجل مكافحة الإرهاب، ونحن في دار الإفتاء المصرية من جهتنا أنشأنا بالفعل مرصدا لفتاوى التكفير والآراء الشاذة والمتشددة للرد عليها بطريقة علمية منضبطة، كأداة رصدية وبحثية في محاولة منا لمواجهة موجات التطرف والعنف والإرهاب الذي يجتاح العالم، والمرصد بالفعل قائم ويقوم بدوره في رصد الآراء والفتاوى المتشددة ويدفعها إلى لجنة أمانة الفتوى للرد عليها، فإن كانت هناك أفكار متطرفة، إن جاز لنا أن نسميها أفكارا، لا بد أن يكون الرد عليها من خلال مجموعة من الأفكار والحجج والبراهين للقضاء على التطرف والإرهاب لأن المواجهات الأمنية لم تعد تكفي لمواجهة هذه الظاهرة.