لأن مجتمعنا ليس حديث عهد بالإسلام ومعرفة أحكامه ومقاصده العظيمة، ولأن وطننا في الوقت نفسه ليس حديث عهد بالطب ومؤسساته وسبل وقاية العاملين في ميدانه من الأمراض المعدية، لأننا كذلك يصبح من المستغرب أن يتوجه وكيل وزارة الصحة للصحة العامة باستفتاء للأمانة العامة لهيئة كبار العلماء متمثلة في الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، يتساءل فيه عن أمرين، أولهما: الحكم الشرعي حيال استخدام الأساليب والإمكانات المتوفرة للوقاية من الإصابة بعدوى الأمراض الوبائية، وثانيهما: أنه هل يأثم من يفرط في التحرز من الأطباء والعاملين في المجال الصحي، نستغرب أن يحتاج إلى طلب الفتوى فيما يعرف الكبير والصغير والمتعلم والأمي الحكم فيه، فوجوب اتخاذ سبل الوقاية من الأمراض الوبائية وإثم من يفرط في ذلك ملقيا بنفسه إلى التهلكة أمر ليس فيه قولان ولا يختلف فيه اثنان، ولست أعتقد أن وزارة الصحة كانت جادة في طلب الفتوى كي تمضي في ما ينبغي عليها اتخاذه من أساليب وقائية من الأمراض الوبائية، وتمضي كذلك في محاسبة منسوبيها الذين يفرطون في اعتماد الطرق الوقائية وتعريض أنفسهم لخطر العدوى واتساع دائرة المصابين بالأمراض الوبائية. سؤال هيئة كبار العلماء عما هو من المسلمات التي لا خلاف حولها وعما هو معلوم بالبديهة إشغال للهيئة عما يحتاجه الناس من رأي لها في ما حوله خلاف وفي حكمه التباس، كما أن اللجوء إلى هيئة كبار العلماء فيما أحكامه موجودة في كافة المصادر والمراجع الفقهية الصحيحة الموثقة يكشف عن تكاسل عن الرجوع لتلك المصادر وعجز عن البحث في المراجع الموثقة ويكشف كذلك عن رغبة في إهدار الوقت بالسؤال عما لا حاجة للسؤال عنه. ورغم كل ذلك فإن ما نأمله هو ألا تكون اسئلة واستشارات وزارة الصحة للهيئات والمنظمات الصحية العالمية في مستجدات الأمراض وسبل علاجها على نمط استفسارها من هيئة كبار العلماء، فتكون اسئلتها عما لا تحتاج أن تسأل عنه لو فكروا قليلا.