ذات يوم وعندما كان المطر يسقي أنحاء مدينتي وضعت وسادتي أرضا بقرب نافذتي، جمعت كفي وبدأت أحرك أصابعي، وكأني أعزف على آلة موسيقية نظرت إلى السماء وهي ترمي بحبات المطر استنكرت ذاكرتي النسيان عندما استنشقت رائحة الطين في المطر وتغلغلت داخل أعضائي، طرد النسيان، وبدأت ذاكرتي بسرد تلك القصص والأحداث كانت مع كل قطرة صفاء تعيدني للوراء اعواما أشهرا وأياما. أبكي تارة لذكرى تضعفني، لفقد أو اشتياق، فتتكاتف أدمعي مع قطرات المطر فتغسل على ملامحي، وتارة ابتسم وعيناي باكية للحظات جميلة رحلت وانقضت وربما رحل أصحابها، منعت تلك الذكريات لبرهة، أغمض عيني عندما يسرق سمعي ذلك الصوت ويخيفني، فأفتحها لأسبح الله على الرعد، اشتد المطر وبت أسمع صوت حفيف الشجر وأوراقها المتناثرة وكأنها طفل ابتهج بسقوط المطر فأخذ يلهو به، أرفع ناظري قليلا فأجد الطير تشدو وتغرد، ترفرف بأجنحتها كثيرا مبتهجة بقطرات النقاء، والطفل هناك، في الحديقة المجاورة لمنزلنا أخذت أسترق النظر له فكان يلهو ويمرح بكل براءة وطهر، يبتسم وكأن المطر كان له كعودة مسافر حبيب لقلبه، أما أنا فابتهج قلبي وانشرح صدري، فرائحة الطين المبتلة بماء المطر روتني حد الاكتفاء، فكفكفت دمعي ورفعت كفي، ودعوت لأبي وأمي، لإخوتي وصديقاتي، لي ولك. فتناولت وسادتي وعدت أدراجي. شموخ عيد