وحيدة تتعاقب عليها عقارب الوقت، تقاوم زحف الإسمنت، غفلت عنها الخرائط لوهلة أتاحت لشعرها المتشابك أن يبشر شمس الصباح بأن أحدا لا زال يجفف من مداد الليل. أوراق مطوية تبسطها أيد على هذه البقعة كأولى الخطى، يقفون بثيابهم الناصعة تهفهفها طلاقة أمكنة تنداح لأكثر من توقيت، لا يخلعون نظاراتهم السوداء إلا من دنو الظلام، و لا تدار عجلاتهم إلا بوعد أليم. يوم الوعيد تدلف على كف غير مستوية جرافات بلون النار، يقبع خلف مقاودها العنيفة ملثمون، تبدو على عيونهم شؤم المآل. صلابة أفواه الحديد تنهش جذور الشجيرات وأكوام الرمل، وتمسح أثرا لسيل قديم، يتصاعد غبار كثيف حاجبا معالم ثلم شفيف ظللته سائحة المزون. معالم جديدة تحيط المكان، خطوط للطول وللعرض تربو على وسوم الماضين من هنا. لقد ردم بقسوة الحصى على رماد نارهم المدفونة من جهد الريح التي تنعش موت ذراته، قرب نهوضها الفاتن على ضوء البدر أشعلوا نارا، وقودها حكاياتهم التعبى من سير الأخفاف قاصدين أسواق المدائن. أناخوا الركاب لتهنأ رويدا باجترار ما تخطفته الأشفار من غضاض الشوك واصفرار العرفج وشيء من يبس الورق، حين عصف و دثر الترب جزءا من حوافه. الأرض غيرَ الأرض، سباقا شيدت صروح البنايات، أسنان متفاوتة لا تبدو منتظمة إلا عندما تكبح جماح الشمس، يدرك كبار السنِ ممن يقطنها أن تحت البنايات أعناق كثيرة التوت كسيرة من حمول الحديد و الحواجز. وحيدة تراهن على أن تكون .. غفلوا عنها في لهاث الحياة عندما أخفت عنهم الأسرار عائدة تغوص في جوف الأرض تنقذ عروق الماء أن تنساق وراء نواة الأرض المصطرخة لهبا. .. وكانت شجيرة تؤوي أفئدة الطير عن نوافذ الزجاج، كانت ولا تزال مهد المناقير الصغيرة حين تفتح عشية في انتظار الحب والحب.